ثم نأتى إلى الدليل الثالث .. و فيه يذكر الحق بكل الدقة و القوة دليلا لا يمكن إنكـاره ... أو ليس الذي خلق السموات و الأرض بقـادر على أن يخلق مثلهم ... فإذا عقدنا مقارنة بين خلق السموات و الأرض و خلق الإنسان فهي محسومة حقا لخالق السموات و الأرض.. و لن نعيد تأملات قول الحق في سورة النازعات، ففيهـا مقارنة كافية لدحض حجج الكافرين... و لكن هناك وقفة أمام كلمة واحدة في هذه الآية، وهى كلمة " مثلهم "... فإذا كان الخالق جاء بخلق السموات والأرض وخلقهم من لا شيء.. ألا يكون قادراً على أن يأتي بخلق مثلهم... أي ألا يكون قادراً على استنساخهم بلغة العصـر... هل يمكن لخالق الإنسان من نطفة ثم الذي جعل له من الشجر الأخضر ناراً ألا يقدر على أن يفعل ما مكن البشر من فعله ليكون عليهم دليلاً.. ألا يستطيع خالق السموات والأرض على أن يستنسخ مثلهم من خلية يبقيهـا من عظامهم هذه بعد أن تصير رميم... يستنسخهـا كما مكن البشر أن يستنسخوا مثل النعجة التي أخذوا منهـا خلية من جلدهـا... ألا يقدر خالق الأصل أن يخلق الصورة... أي مثلهم.. سؤال لا مرد له إلا أن هؤلاء المنكرون متنطعون ومفضوحون... و لكن هذا الاستنساخ الذي مكنهم الله منه وإن كان في ظاهره العلم، إلا أن باطنه يكشف قدرة الخالق... فكل ما فعلوه عند الاستنساخ أنهم أخذوا خلية كاملة من جسم ذكر أو أنثى في أي حيوان ووضعوهـا في بويضة أنثى داخل رحم أنثى هذا الحيوان.. وهو موضع النطفة الأولى لأي جنين يتكون بالصورة الطبيعية من نصف خلية من الذكر ونصف خلية من الأنثى، فيتم الانتخاب الطبيعي للصفات التي تورث في الجنين الطبيعي، فرأوا أن بويضة الأنثى التي وضعوا فيهـا هذه الخلية، معدة لتلقين الخلية الموضوعة أو المستنسخ صاحبهـا طرق الانقسام داخل الرحم لتكوين الأنسجة و العضلات والأجهزة والصفات التي تحملهـا هذه الخلية، و أيقنوا أن خلق هذا المثل ممكنـا بما أودعه الله في بويضة أنثى كل حيوان من أسرار، كالأسرار التي وضعهـا فيهـا كي تخرج من النطفة الأولى أو الخلية الأولى من هذا المخلوق، و كالأسرار التي أودعهـا في الشجر الأخضر كي تنتج ناراً كما بين الله في الآيات السابقة... هكذا يأتي قول الحق ويأتي بالرد القاطع له... بلى ..(أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم.. بلى ... وهو الخلاق العليم... إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)... صدق الله العظيم... أيوجد منطق أعظم وأبدع وأعلم وأقوى وأمتع من هذا المنطق القرآني كي تقنع به من لا يؤمن بالبعث و قدرة الخالق على أنه سيعيد نشأتنـا من هذه العظام أعظم... إنه سرد لثلاث حقائق نراهـا بأعيننا و أبصارنا و منطقنـا الإنساني.. لهذا كان أول هذه الآيات (أو لم ير الإنسان... ثم كان في أوسطهـا.. أوليس الذي خلق السموات و الأرض بقادر على أن يخلق مثلهم)... هل يمكن ألا يكون ردنا على هذه الآية الكريمة كما قال سبحانه وتعالى.. نعم. هو الخلاق العليم.. نعم .. بلى و ربنـا الحق.. لقد رأينـا و آمنا أن الله قادر على أن يخلق مثلنـا و ينصر أمتنـا بإذنه و هدايته وكتابه و آياته.. فبأي حديث بعده يؤمنون...
هناك لازمة أحب أن أضيفهـا... فالخالق أراد للمسلمين أن يكون تقويمهم للشهور والسنوات معتمدا على حركة القمر و ليس على حركة الشمس... ولو تدبرنـا في فلك القمر.. فسنجد أن القمر تابعـا للأرض و يلازمهـا... و لأن الخالق سخر هذا الكون للإنسان... فقد أراد له أن يقوم السنوات بشيء تابع للأرض التي سخرها الخالق لهذا الإنسان وسخر ما في الكون لخدمته... و نحن عندما نعد شهور الحمل في الجنس الآدمي أو الحيواني، نجد التقويم أدق بالشهور القمرية، و في اختيار الخالق هذا التقويم لنـا يجعل الأرض و أهلهـا متبوعين بما في هذا الكون ومشاركين و ليسوا متبعين.. و الله أعلم .
أ.د. ســلامه عبد الهادي
أستاذ في علوم إدارة الطاقة وعميد سابق للمعهد العالي للطاقة بأسوان
المرجع:
http://en.wikipedia.org/wiki/Main_Page
موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة