تحية ودفاع
محمد بن عائض القرني
ما بالُ مكةَ قد ضجت نواحيها؟! ** ودمع طيبةَ يجري من مآقيها؟
ما للجزيرةِ قد مادت بساكنها؟! ** فاهتز شامخُها وارتج واديها!
ما للعروبةِ والإسلامِ روَّعَها ** خَطبٌ ألمَّ وظُلمٌ من أعاديها؟!
أيسخرون من الهادي الذي شرفت ** به البريةُ قاصيها ودانيها؟!
أيسخرون من الأنوارِ قد كشفت ** مجاهلَ الظلم فانزاحت غواشيها
أيسخرون من المجدِ الذي خضعت ** له الجبابرُ حتى ذل طاغيها
أيهزءون به؟! شُلت أكفُّهُمُ ** ودمر الله ما تجني، وجانيها
أعداءُ كلِّ نبي جاء يُنقذُهم ** من الضلالةِ لما أُركسوا فيها
محمدٌ خيرُ من سارت به قدم ** وأكرمُ الناس ماضيها وباقيها
أوْفَى الخليقةِ إيماناً وأكملُها ** ديناً، وأرجحُها في وزن باريها
من مثلُه في الورى بِراً ومرحمةً؟! ** ومن يشابهُه لطفاً وتوجيها؟!
جاءت رسالتُه للناس خاتمةً ** وجاء بالنعمة المسداةِ يهديها
أحيا الحنيفيةَ الغراءَ متبِعاً ** نهجَ الخليلِ ولم يخطئْ مراميها
وسار في كنفِ الرحمنِ يكلؤه ** إلى الحسانِ من الأخلاقِ يبنيها
هو البشيرُ لمن أصغى لدعوتِه ** هو النذير لمغرور يعاديها
كسرى تَكَسَّرَ إذعاناً لهيبته ** قصورُ قيصرَ هُدت من أعاليها!
وأقبلت أممٌ شتى مبايعةً ** تمُد للعدلِ والإحسانِ أيديها
نالت بدعوته نُعمى ومكرُمةً ** وأسعد الله بعد البؤسِ ناديها
في الهندِ والصينِ والقوقازِ طائفةٌ ** تذود عن عرض خير الناس تنزيها
وفي (أُورُبَّةَ) أقوامٌ قلوبُهُمُ ** بدين أحمدَ قد نالت أمانيها
الصامدون بوجهِ الكُفرِ ما ضَعُفُوا ** يجابهون المنايا في تحديها
يفدون عرضَ رسولِ الله ما بخلوا ** وبالنفوس إذا نادى مناديها!
حتى إذا نشر الأنذالُ حقدَهُمُ ** وبارزوا اللهَ من عدوانهم تيها
تؤزُّهم زُمَرٌ ضاقت نفوسُهم ** لهم عيونٌ شُعاعُ الحق يُعشيها
بنو اليهودِ ومن ساءت سريرتُه ** فأبدل الصدقَ تزويراً وتمويها
أيسخرون من المعصومِ ويلهُم؟! ** ويطلبون له ذماً وتشويها؟!
من جاء بالملةِ البيضاءِ صافيةً ** نقيةً؛ وبنور الوحي يحييها
أقام بالعدلِ مجداً لا زوال له ** وأمَّةً كنفُ الرحمنِ يحميها
من بئرِ زمزمَ سُقياها ومطعمُها ** من تمر طيبةَ قد طابت مغانيها
أرواحُها بظلالِ البيتِ هائمةٌ ** من دونه تُرخِصُ الدنيا وما فيها!
فداءُ عرضِ رسولِ الله أنفسُنا ** وكلُّ نفس وما تحويه أيديها
وصلِّ يا ربِّ ما هبَّ النسيمُ على ** معلمِ الأممِ الحَيرَى وهاديها
تحيةً لرسولِ الله أبعثُها ** ويومَ هجرتِه الغراءِ أهديها