يوم جديد
حمود الباشان
اقتربتِ الشمس من مُوَاراة قُرْصها القسطلي عن الأعين الناظرة إليه؛ حياءً أو انتهاءً لعملها، لكنَّ غروبَها هذا اليوم ليس كغروبها كلَّ يومٍ في أنفُس الناس، كان أكثرُهم بالأمس لا يعبؤون بها؛ أغابتْ أم طلعتْ! إلاَّ أنَّ الكلَّ هذا اليوم ينتظرون نهارَهم أن يتصرَّمَ وينقضي؛ ليبدأ فرحُهم بالامتثال لطاعة ربِّهم، ويروُون الأجساد المتعطِّشة لمادة حياتها.
هذا اليوم هو الأشدُّ حرًّا وعطشًّا؛ لأنَّه أوَّلُ الأيام، وما عداها لا يكون الإحساس بالعطش ورُبَّما الجوع إلا قليلاً، بالتأكيد ربِّي لم يكتبْ عليَّ الصيام كما كتبَه على الأُمم قبلي إلا ليجعلني أتَّقِيه بهذا الصوم، أتذكَّر مسكينًا جائعًا مثلما أنا جائع الآن، لأحسَّ بمعاناة الجوع عند المساكين والفقراء، ولأتخففَ مما يصيب جسدي بالفتور والنوم عن الصلاة المفروضة، وبما أني أصومُ عن المعصية، كما أصوم عن الأكل والشرب؛ لهذا أنا أتخلَّصُ من الذنوب وأراجعُ نفسي الأمَّارة بالسوء، وإذا صُمْتُ عن الطعام، فإن بَدَني يرتاحُ بعض الوقت من الأرطال التي أقذفُها فيه كلَّ يومٍ في كلِّ وقتٍ قبلَ رمضانَ.
رمضان يغيِّر حياتي تغييرًا جديدًا فريدًا، وقتي أصبحَ مرتَّبًا بشكلٍ جيِّد، حيث أجعلُ لروحي نصيبًا، كما أجعلُ للعمل والمادة نصيبًا، آكل وأشرب في وقتٍ مُعَين، وأستيقظ وأنام في وقتٍ مُحدد، للعمل وقتُه وللعبادة وقتُها، صِرْتُ طيبَ النفْس، لا أغضب، أسامح من أخطأ في حقِّي، وأراجع نفسي قبل التلفُّظ بالكلمة، هل هي في مرضاة الله أو تسخط ربَّ العِزَّة عليّ؟ وصِرْتُ أتلذَّذُ بما أصنعُ؛ لأني أنا مَن يقود النفْس وأضبطها وأسيِّرُها كما أشاء، وليس كما تشاء هي.
أصبحتُ بحقٍّ، رائعا وأحس أني أحقِّقُ الإنجازَ تِلْو الإنجاز على نفسي، بأن أقومَ للصلاة وأصْطَفَّ مع المصلين للتراويح، ولا أخرج إلاَّ بعد انتهاء الإمام، وأحسستُ في قلبي بما يحسُّ به الخاشع، بل والبَكَّاء وهو يتلو القرآن، وأصبحتُ أحس بنسيم الإيمان البارد وهو يمسُّ الفؤاد الملتَهب بالبُعد، وكأنه نعومة القطن وهي تلامس خدًّا ناعمًا.
آه لا، لا أريدُ أن أصحوَ من هذا الحُلم الجميل، حُلم كحقيقة وحقيقة كحُلم، ليتَ شعري، لماذا لا يستمرُّ هذا الحُلم أكثر؟ لا أريد أن أستيقظَ، أرجوكم لا توقظوني منه للواقع المرير بعده.