إيّاكِ و مساوئ الأخلاق:
(90) إيّاكِ والغضب وفقدان السّيطرة على الأعصاب والثّوران لأتفه الأسباب؛ بل اصبري واكظمي غَيْظَكِ واعفي عن المسيء، قال الله -تعالى-: ﴿وَالكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[61]، وآكد ما يكون ذلك في شهر رمضان؛ قال صلّى الله عليه وسلّم فيما يرويه عن ربّه: ((وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفث، وَلاَ يَصْخب، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فليقل: إِنِّي امْرؤٌ صَائِم))[62].
(91) اعلمي أنّه ليس الصّيام الامتناع عن الطّعام والشّراب فحسب، إنّما ينضمّ إلى ذلك الامتناع عن سَفاسِف الأخلاق؛ قال صلّى الله عليه وسلّم: ((لَيْسَ الصِّيَام مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، إِنَّمَا الصِّيَام مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، فَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ أَوْ جَهل عَلَيْكَ، فَقُلْ إِنِّي صَائِم إِنِّي صَائِم))[63]. مع المفترض أنّ الصّيام يهذّب النّفوس ويسمو بها إلى معالي الأخلاق.
حجّي مع نبيّكِ -صلّى اللّه عليه و سلّم-!
(92) اسعَي إلى عُمرة في رمضان؛ فقد قال النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- كما في حديث ابن عبّاس -رضي الله عنه-: ((عُمْرَةٌ فِي رَمَضَان تَعْدِلُ حجَّة مَعِي))[64][65] .
احذري الغفلة عن شيء عظيم في أواخر رمضان!
(93) لا تتحمّسي للعبادة في أوّل رمضان، ثمّ لا يزال حماسكِ ينقص شيئا فشيئا مع قُرب نهاية الشّهر، بل ارفعي هِمّتكِ وتوكّلي على الله في الاستزادة مِن الخير كلّما مضت بكِ ليالي وأيّام رمضان، ولا تَمُرَنّ عليْكِ منها لحظة إلاّ وأنتِ في زيادة.
(94) تحرَّي ليلة القدْر في العشر الأواخر مِن رمضان؛ قال صلّى الله عليه وسلّم: ((تحرّوا ليلة القدر في الوتر مِن العشر الأواخر مِن رمضان))[66]. وذَكَر بعض العلماء في حِكمة الله -تعالى- في عدم تحديدها للناس؛ حتّى يجتهدوا في الطّاعة في ليالي العشر كلّها، ثمّ اعلمي أنّكِ إذا قُمتِ كلّ هذه اللّيالي وعَمَرتِها بالعبادة والطّاعة؛ فقد أدركتِ ليلة القدر لا محالة، وفُزتِ -إن شاء الله- بعظيم الأجر وجزيل المثوبة.
(95) اجتهدي في العبادةِ ليلة القدر، فإنّها ليلة تختصّ على غيرها من ليالي رمضان بفضل عظيم؛ قال تعالى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾[67]، وقال صلّى الله عليه وسلّم: ((إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الخَيْرَ كُلَّهُ، وَلاَ يُحْرَمُ خَيْرَهَا إلاَّ مَحْرُومٌ))[68]، وعن ثواب قيامها؛ قال صلّى الله عليه وسلّم: ((مَن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))[69].
(96) لا تُضيّعي فضائل ليالي رمضان والعشر الأواخر -منها خاصّة- في شراء ملابس العيد وحاجيّاته، أو الذّهاب إلى الخيّاط، أو شراء لوازم الحلوى استعداداً للعيد،... فإنّها أمور يمكن قضاؤها والانتهاء منها قبل دخول الشّهر أو في أوّله، حيث تكون الأسواق شبه فارغة والأسعار رخيصة، فضلا عمّا يُوفّره لكِ هذا الحلّ مِن أوقات.
(97) كوني عَليَّةَ الهِمّة في رمضان عامّة وفي العشر الأواخر منه خاصّة؛ فقد ضَرَب الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- المَثل الأعلى في الهِمّة العالية بالإقبال على الطّاعات في شهر رمضان، لاسيما العشر الأواخر منه؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إِذَا دَخَلَ العَشْرُ؛ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ))[70]، أي اجتهد في العبادة وحثّ أهله على ذلك.
(98) لا تَنسَي الإكثارَ مِن الدُّعاءِ المأثور في ليالي العشر الأواخر؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قُلتُ يا رسول الله أرأيت إنْ علمتُ أيّ ليلةٍ ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: ((قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي))[71]، فأكثري مِن هذا الدّعاء في هذه اللّيالي، خاصّة في سجدات صلاة التّراويح والقيام.
(99) اجتهدي في الأعمال الصّالحة حتّى آخر دقيقة مِن هذا الشّهر؛ لأنّكِ لا تدرين هل سيُكتب لكِ معه لقاء جديد أم سيكون هذا هو الوداع الأخير، وتذكّري أنّ السّلف الصّالح كانوا يدْعون الله ستّة أشهر أنْ يُبَلِّغَهم رمضان ثم يَدْعونَه ستّة أخرى أنْ يتقبَّلَه منهم.
(100) اسألي اللّه أنْ يَختِم لكِ شهر رمضان بغُفرانه والعِتْق مِن نِيرانه، وأنْ يُعيدَه عليكِ أعواماً عديدة وأزمِنةٍ مديدة، واسأليه أنْ يجعلَ هذا الشّهر شاهداً لكِ عنده يوم القيامة، واسأليه القَبول فإنّه علامة على التقوى، قال اللّه -تعالى-: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾[72].
هل تريدين معرفة قبول أعمالك في رمضان من عدمه؟!
(101) احفظي أنّ مِن علامات قَبول العمل في رمضان؛ انشراح الصّدر بإتمام الشّهر، والإقبال على الطّاعات والاستمرار فيها، والارتقاء الإيماني والعِلمي والسّلوكي بعده مِن حَسَن إلى أَحْسَن.
وجاء العيد:
(102) إذا رأيتِ هلال العيد فقولي نفس ما قلتِه عند رؤيتكِ هلال رمضان: ((اللَّهُمَّ أَهْلْهُ عَلَيْنَا بِاليُمْنِ والإِيمَانِ وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ))[73].
(103) كبّري الله -تعالى- عند إكمال عِدّة رمضان بالصّوت؛ ووقت التّكبير يبدأ مع غروب شمس آخر يومٍ مِن رمضان بعد ظهور هلال شوّال، وينتهي عند صلاة العيد؛ ومِن صِفاته أنْ تقولي: "الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد"، وهناك صفات أخرى مأثورة عن السّلف، والأمر في هذا واسع.
(104) تعلّمي أحكام العيد وما يتعلّق به مِن فقه وآداب، ثمّ بَلِّغي ذلك إلى غيركِ.
(105) تذكّري أنَّ زكاة الفِطر واجبة على كلّ مسلم؛ ذكراً كان أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، حُرّاً أو عبداً، لحديث عبد اللّه بن عمر -رضي اللّه عنه- المتّفق عليه؛ أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- فَرَضَ زكاة الفِطر على العبد والحُرّ والذَّكَر والأنثى والصّغير والكبير مِن المسلمين.
(106) يجوزِ لكِ أو لزوجكِ أو لوليّكِ تقديم إخراج زكاة الفِطر قبل العيد بيوم أو يومين، وينتهي وقتها بصلاة العيد.
(107) اعْلََمي أنّ مِن حِكم مشروعية زكاة الفِطر؛ أنّها طُهْرَة للمسلم لِما صَدَر منه في رمضان مِن لغو ورَفَث، وطُعْمَة للمساكين، وشُكر للهِ -تعالى- على إتمام فريضة الصّيام.
(108) اعْلَمي أنّ العيد مناسبة لفرحةِ الصّائم بقضاء فريضة الله عليه مِن الصّوم، وابتهاجِه بما وفّقه الله -سبحانه- إلى نشاطٍ واجتهادٍ في العبادة، والتقرّبِ إليه بالقيام والذّكر وقراءة القرآن، وغيرها مدّة شهر كامل.
(109) اخرُجي إلى صلاة العيد؛ فإنّ النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- أمر النّساء أنْ يَخرُجن إليها، مع أنّ البيوت خير لهنّ فيما عدا هذه الصّلاة، وهذا دليلٌ على تأكيدِها، قالت أمّ عطية -رضي الله عنها-: ((أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّم، أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الفِطْرِ وَالأَضْحَى، العَوَاتِقَ وَالحُيَّضَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ، فَأَمَّا الحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاَةَ وَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِحْدَانَا لاَ يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ. قَالَ: لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا))[74]، ولْيكنْ خروجكِ مِن غير تطيّب ولا تبرّج ولا سُفور، بل بالتستّر والحجاب والاحتشام.
(110) احْرِصي على سنّةِ أكل شيء قبل خروجكِ إلى مصلّى العيد، والأفضل أنْ يكون تمراتٍ وِترًا؛ ثلاثاً أو خمساً أو أكثر مِن ذلك، تَقْطَعينها على وتر.
ودِّعي رمضان، لا طاعة رمضان:
(111) لا تجعلي وداع رمضان آخر عهدكِ بالطّاعات والحسنات، بل اجعليه انطلاقةً لمشوارٍ في حياتِك جديد؛ اجعليه بدايةً للتّوبةِ والرّجوع إلى الله، بدايةً للجدّية في تصرّفاتِك، بدايةً للإقبال على الطّاعات والخلوص مِن المخالفات، بدايةً للإقبال على الأشياء المهمّة العظيمة وترك سَفاسِف الأمور وحقيرها.
(112) إيّاكِ والنُّكوص عن الطّاعات والعودة إلى المعاصي الّتي كنتِ عليها قبل رمضان -إذا كنتِ كذلك- وتذكّري ما كنتِ تعملينه مِن صيامٍ وصلاةٍ وتلاوةِ قرآنٍ ونحو ذلك، لا تستبدلي ما عشتِه في رمضان مِن روحانيةٍ وسعادةٍ وطمأنينةٍ وهَناء، بالعودة إلى حياة الشّقاء والضَّنك بعده، واحْذَري أنْ يتحقّق فيكِ قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾[75].