عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2010-07-31, 9:42 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي

ثامناً: التخطيط السيئ: إن التخطيط السيئ هو التخطيط الذي يقوم على عدم وجود رؤية واضحة، ولا أهداف محددة، فيكون مخبطاً متخبطاً، بين المناهج والأعمال، فيضيع عمره، وتذهب طاقته هدراً.
إن الرؤية هي: أول شيء يجب على الفرد تحديده، أي ماذا أريد في النهاية؟ وما هي الغاية التي أريد أن أصل إليها؟
فالرؤية تجعل الفرد يرى غايته، ثم يصيغُ بعد ذلك أهدافه للوصول إلى غايته.
إن عدم وجود الرؤية الواضحة للفرد العامل لا يمكن بحال أن يصل إلى ما يريد، ولذلك ينبغي أن يركز كثيرًا على الرؤية الواضحة، فإذا حدد رؤيته فإنه بعد ذلك يحدد أهدافه التي ستوصله إلى غايته التي حددها في رؤيته، فيكون بذلك منتجاً إيجابياً في حياته.

تاسعاً: التخذيل المقيت، والتحطيم المذموم: كم أُهدرت من طاقة؟ وكم صُدَّ كثيرٌ عن كثيرٍ من البرامج الفاعلة بسبب ممارسة بعض النَّاس لهذا الأسلوب الرديء وهو أسلوب تحطيم الغير، والنقد المحطم.
يقول لي أحدهم: وهو ممن أتاه الله معرفة علم من العلوم، يقول:( عندما وفقني الله لهذا العلم وأخذت أعلم الناس بهذا العلم، كان بعضهم - وهو من يكبرني سناً - يقول: فلان أصبح من أهل هذا العلم؟! الأفضل له أن يستريح ويريح، فهو لا يصلح لشيء)، يقول صاحبنا:( فوقعت في نفسي موقعاً عظيماً، لكن من رحمة الله عز وجل بي أني لم ألتفت لهذا التحطيم المباشر، وهذا النقد المثبط، فاستعنت بالله وواصلت فيما بدأت به، وكان كلامه ذلك دافعاً لي للثبات والازدياد من هذا العلم، حتى وفقني الله لبلوغ ما بلغت فيه، وبعد مدة يسيرة إذا صاحبي الذي ينال من قدراتي، ويقول: أني لا أصلح لشيء، يتصل عليَّ، ويريد أن يستفيد مما أعطاني الله من هذا العلم، فأجبته، ثم قلت في نفسي: يا سبحان الله! لو أنني سمعت كلامه وانجرفت وراء قوله لفاتني خير كثير)، فهذه الصورة صورة لكثير من الناس المخذلين.
إن بعض الناس لا يجيد إلا فن التحطيم، والاستخفاف بالآخرين، وهنا يجب على المسلم أن لا يسخر من أحد بقول أو فعل أو غمز أو لمز، ويقف دائماً عند قول الحق تبارك وتعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [الحجرات:11].

أخي المبارك: لتعلم أن التخذيل من أعظم صفات المنافقين، فهم يخذلون ويحطمون أهل الإسلام، فهم أكثر الناس شكاية، وأكثرهم خوراً وتخذيلاً لغيرهم، ولذلك هم أفشل الناس، وأكذب الناس، ويريدون من جميع الناس أن يكونوا مثلهم.
وهنا أوجه رسالة لكل فرد: إذا سمعت مثل هذه العبارات المحطمة، ولاحظت التحطيم المقيت فلا تلتفت لمثل هذه الأقاويل المثبطة، وهذه الأساليب المحطمة، بل عليك أن تمشي واثق الخُطى، مستعيناً بالله تعالى، متوكلاً عليه، فإنك ستصل إلى غايتك، وستبلغ مُناك، فبشيء من الصبر واليقين، والبذل والتضحية، يدرك المرء مراده، ويحقق مبتغاه، وهناك تذكر عبارتين واجعلهما أمام عينيك: الأولى:( رضا الناس غاية لا تدرك ) فلا تحرص عليه؛ الثانية:( من راقب الناس مات هماً) فراقب الله تعالى.

عاشراً: استعجال النتائج: إن مما يهدر كثير من الطاقات، ويفسد كثيرًا من البرامج، ويعطل كثيراً من الأعمال، هو: استعجال النتائج؛ إن النتائج السريعة والعاجلة في تحقيق الأمور بأنواعها لا يكون في غالب التقدير الإلهي؛ بل التقدير الكوني يدل على أن الحياة الدنيا مرحلة تحتاج إلى تدرج، ولهذا كان الشارع الحكيم لا ينظر فقط إلى ما يمكن أن يعمله الإنسان الآن؛ وإنما ما يستقيم عليه ويعمله باستمرار.
وحين ننظر في جوانب التشريع والطلب: نرى التوازن بين العمل الحاضر والاستمرارية عليه، ويدل لذلك ما جاء من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة فقال:« مَنْ هَذِهِ؟ » قَالَت: فُلاَنَةُ. تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا. قَالَ صلى الله عليه وسلم :« مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا »، وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. أخرجه البخاري(43)؛ فنجد هذا الحديث وغيره أنه حتى في أمور العبادة لابد من الاقتصاد في فعلها؛ وعدم الاستعجال، حتى لا يكون الانقطاع، وترك الاستمرارية مصيرها، فعلى الفرد عدم استعجال النتائج وإن طال الزمن، فعليه بالمثابرة على العمل والاستعانة على وعثاء الطريق بطول الصبر، وحسن التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصدق الاعتماد على الله - سبحانه - فإنه طريق النجاح، يقول الله تعالى: { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } [يوسف:90].

الحادي عشر: الفوضوية في الوقت: إن الذي لا يرتب وقته حسب الأولويات فإنه سيضيع بين كثرة المشاغل، وبين تداخل المواعيد، ولن ينجز شيئاً، إن الفوضوية في الوقت تتسبب في تراكم الأعمال والواجبات والمهمات دون القدرة على إنجازها في الزمن المفترض، وهذا يشكل عبئاً نفسياً يؤدي إلى تأثر نشاط الفرد، ويحمله بعد ذلك على ترك العمل، ولذلك ترتيب الوقت وتنظيمه حسب الأولويات الهامة، ثم المهمة ثم ما بعدها، وإعطاء كل ذي حق حقه مما يساعد على الإنتاجية، ونجاح العمل.

الثاني عشر: عدم الإفادة من الأخطاء السابقة: إن كثيرًا من المواقف التي تهدر فيها الطاقات هي أخطاء متكررة، ولو تأمل العامل في أخطاء من سبقه، أو في أخطائه هو ثم لا ينتفع من أخطائه، فإن ذلك مدعاة لتكرر الخطأ، وهدر الطاقة، وضياع الوقت، فعلى الفرد أن يفيد من أخطائه، وأن لا يكررها، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ » أخرجه البخاري(5782)، ومسلم(2998) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

الثالث عشر: العجز والكسل: إن كثيراً من الناس قد تتوفر لهم جميع الوسائل المعينة لأن يستثمروا طاقاتهم، ويحققوا رغباتهم، لكن يحجزهم عن استثمار طاقاتهم وقدراتهم العجز والكسل، ولذلك استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم لخطورته فقال:« اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ » أخرجه البخاري(2668)، ومسلم(2706) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه .
إن العجز والكسل قد صَدَّى كثير من الناس عن معالي الأمور، ولذلك يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -:(من نام على فراش الكسل، أصبح ملقي بوادي الأسف) بدائع الفوائد(2/234).

الرابع عشر: ضعف الهم والهمة، إن ضعف الهمة، ودنوها وسُفْلِهَا تفوت على الفرد مصالح عليا، وتضيع طاقته، وتفسد عليه حياته، ولذلك يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -:( لا تصغرنّ همتك فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته) محاضرات الأدباء للأصفهاني(ص:108)، ويقول المتنبي:
وَلَمْ أَرَ فِيْ عِيُوْبِ النَّاسِ عَيْبَاً *** كَنَقْصِ الْقَادِرِيْنَ عَلى الْتَّمَام
إن النفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها، وأفضلها، وأحمدها عاقبة، والنفوس الدنيئة ترضى من الأشياء بالدني، فتكون كالذباب الذي لا يقع إلا على القذر.

الخامس عشر: عدم انتهاز الفرص: إن ترك الفرص تفوت، وعدم انتهازها يؤخر الفرد تأخيراً عظيمًا، بل قد يحرمه من خير عظيم، ويكون سبباً لهدر طاقته، وإن عدم انتهاز الفرص يعود إلى أمرين:
الأول: عدم التصور الواضح لما يريد الفرد أن يقوم به ويعمله، فلذلك تمر عليه الفرصة فلا ينتبه لها، ولا يشعر بأنها فرصة ثمينة إلا بعد ذهابها.
الثاني: الكسل: وكم ضيع الكسل على كثير من الأفراد الفرص الثمينة، فيحمله كسله على ترك العمل، وعدم الاستفادة مما يُعرض له، ولذلك يقول ابن الجوزي - رحمه الله تعالى -:( إياك والتسويف فإنه أكبر جنود إبليس ) صيد الخاطر(ص:193).
وهنا أذكر مثالاً فيه انتهاز للفرص، فكانت نتيجة ذلك التصرف هو: فوزٌ لهذا المستغل لهذه الفرصة فوزاً عظيماً، إن الفرصة كانت من النبي صلى الله عليه وسلم ، والمنتهز لها هو ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه ، يقول ربيعة رضي الله عنه : كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي:« سَلْ »؛ فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ:« أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ ». قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ:«فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ » أخرجه البخاري(4418)، ومسلم(489)؛ فهذا كعب رضي الله عنه استغل واستثمر هذه الفرصة فكانت ثمرة استثمار هذه الفرصة: الفوز بالجنة، وليس الجنة فقط بل مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم فيها.

وبعد: فإن هذا الموضوع مهم للغاية كما أسلفت في أوله، وإن ذكر الأسباب والعلاج كان على عجل، وإلا كل واحد من هذه الأسباب يحتاج إلى طرح مستقل وبحث مطول، لكن كان المقصود الإشارة لا الإطالة، ويكفي من القلادة ما أحاط العنق.

وختاماً: ما أجمل أن نقف مع هذه الآية وقفة تدبر وتأمل، وعظة وتفكر: { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } [النساء: 66-69].
أسأل الله أن يوفقنا لطاعته، وأن يعيننا على مرضاته، وأن يعلق قلوبنا به، وأن لا يَكِلَنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك إن ربي سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.




توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟