عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 5  ]
قديم 2010-07-31, 8:35 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
قبيلة ثمود الذين هم قوم صالح - عليه السلام -: جاؤوا يومًا إلى صالح يقولون: ادع ربَّك أنْ يُخْرِج لنا من هذا الصخر ناقة؛ إنْ أردتَ لنا أنْ نؤمن برسالتك، قال: كيف؟! فدَعا ربه، فجاءَتْهم الناقة كأفْضَلِ ما تكون، وكأعجز ما تكون، وأفضل ناقةٍ وُجِدت على سَطْح الأرض، في أكْلِها وفي شربها، وفي لَبِنها وفي حياتها وفي طبيعة خلقها.

ما الذي حدث؟ هل آمَنوا؟ كلاَّ! هل نَفَّذوا الوعد الذي قطَعوه؟ كلاَّ! هل أدَّوا العهد الذي أخَذوه؟ كلاَّ! ماذا حدث؟ جاء قوم ثَمود بعد قوم عاد، وتكرَّرت قصَّة العذاب بشكْل مختَلِف مع ثمود.

كانت ثمودُ قبيلةً تَعبد الأصنام هي الأخرى، فأرسل الله سيدنا "صالحًا" إليهم، وقال صالح لقومه - كما حَكى القرآن -: ﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ [هود: 61].

﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [هود: 61] نفْس الكلمة التي يقولها كلُّ نبي، لا تتبدَّل ولا تتغيَّر، كما أنَّ الحق لا يتبدَّل ولا يتغيَّر، فُوجِئ الكبار من قوم صالح بما يقوله، إنَّه يتَّهم آلهتَهم بأنَّها بلا قيمة، وهو يَنهاهم عن عبادتها ويَأمرهم بعبادة الله وحْدَه، وأحدَثَتْ دعوته هزَّةً كبيرة في المجتمع، وكان صالِحٌ معروفًا بالحكْمة والنَّقاء والخير، كان قومه يحترمونه قبل أن يُوحِي الله إليه ويرسِله بالدَّعوة إليهم، وقال قوم صالح له: ﴿ يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾ [هود: 62].

تأمَّلْ وجهة نظر الكافرين من قوم صالح، إنَّهم يَدخلون عليه من باب شخصي بَحْت، لقد كان لنا رجاء فيك، كنتَ مرجُوًّا فينا لِعِلمك وعقْلك وصِدْقك وحسن تدبيرك، ثم خاب رجاؤُنا فيك، إنَّه لا يتبع منطق الآباء والأجداد! ﴿ أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ﴾؟! يا للكارثة! كل شيء يا صالح إلا هذا، ما كنَّا نتوقع منك أن تَعِيب آلهتنا التي وَجَدنا آباءنا عاكفين عليها.

وهكذا يَعجب القوم مما يدعوهم إليه، ويَستنكرون ما هو واجِبٌ وحَق، ويدهشون أن يَدعوهم أخُوهم صالح إلى عبادة الله وحْدَه، لِمَاذا؟ ما كان ذلك كلُّه إلاَّ لأنَّ آباءهم كانوا يعبدون هذه الآلهة، ورغم نصَاعة دعوة صالح - عليه الصلاة والسلام - فقد بدَا واضحًا أنَّ قومه لن يصدِّقوه، كانوا يشكُّون في دعوته، واعتقدوا أنه مسحور، وطالبوه بمعجزة تُثْبِت أنه رسول من الله إليهم، وشاءت إرادة الله أن تَستجيب لطلبهم.

وكان قوم ثمود يَنْحتون من الجبال بيوتًا عظيمة، كانوا يَستخدمون الصَّخْر في البناء، وكانوا أقوياءَ قد فتَح الله عليهم رِزْقهم من كلِّ شيء، جاؤوا بعدَ قوم عاد فسَكنوا الأرض التي استعمروها، قال صالح لقومه حين طالَبُوه بمعجزة ليصدِّقوه: ﴿ وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ ﴾ [هود: 64]، والآية هي المعْجِزة.

ويقال: إنَّ الناقة كانت معجزة؛ لأنَّ صخْرةً بالجبل انشقَّت يومًا وخرجت منها الناقة، وُلِدت من غير الطَّريق المعروف للولادة، ويقال: إنَّها كانت معجزة؛ لأنَّها كانت تَشرب المياه الموجودة في الآبار في يومٍ فلا تَقترب بقيَّة الحيوانات من المياه في هذا اليوم، وقيل: إنَّها كانت معجزة؛ لأنها كانت تُدِرُّ لبنًا يَكفي لشرب النَّاس جميعًا في هذا اليوم الذي تَشرب فيه الماء فلا يَبقى شيءٌ للناس، معجزات تَدْعو إلى الانْقياد والتسليم، لكنَّ النُّفُوس المريضة، والقلوب التَّالفة، والعقول المنْحَرِفة قلَّما تؤثِّر فيها هذه المعجزات؛ ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2]، فقط هدًى للمتَّقين، أمَّا غيرهم فلا هادي لهم من شُرود، ولا عاصم لهم من ضَلال، ولا حاجز لهم من تدَنٍّ!

كانت هذه الناقة معجزة، وصَفَها الله - سبحانه وتعالى - بقوله: ﴿ نَاقَةُ اللَّهِ ﴾ [الأعراف: 73] أضافها لنَفْسه - سبحانه - بمعنى أنَّها ليست ناقة عاديَّة، وإنما هي معجزة من الله، وأصْدَر الله أمْرَه إلى صالِح أنْ يَأمر قومَه بعدم المسَاس بالنَّاقة أو إيذائِها أو قتْلها، أمَرَهم أن يتركوها تأكل في أرض الله، وألاَّ يمَسُّوها بسوء، وحذَّرهم أنهم إذا مدوا أيديهم بالأذى للناقة فسوف يأخذهم عذاب قريب.

في البداية تعاظمَتْ دهْشة ثمود حين وُلِدت الناقة من صخور الجبل، كانت ناقة مبارَكة، كان لبَنُها يكفي آلاف الرجال والنِّساء والأطفال، كان واضحًا أنَّها ليست مجرَّد ناقة عادية، وإنما هي آية من الله، وعاشت الناقة بين قوم صالح، آمَن منهم مَن آمن، وبَقِي أغلبهم على العناد والكفر؛ وذلك لأنَّ الكفَّار عندما يطْلُبون من نبيِّهم آية، ليس لأنَّهم يريدون التأكد من صدْقِه والإيمان به، وإنما لتحدِّيه وإظهار عجْزِه أمام البشر، لكن الله كان يَخْذلهم بتأييد أنبيائه بمعجزات من عنده.

كان صالِحٌ - عليه الصلاة والسلام - يحدِّث قومه برِفْق وحبٍّ - أخلاق الأنبياء وسالِكي درْبِهم من الدعاة - وهو يَدعوهم إلى عبادة الله وحْدَه، وينبِّههم إلى أنَّ الله قد أخْرَج لهم معجزة هي الناقة؛ دليلاً على صدقه وبيِّنةً على دعْوته، وهو يرجو منهم أن يَتركوا الناقة تأكل في أرض الله، وكل الأرض أرض الله، وهو يحذِّرهم أن يمسوها بِسُوء؛ خشية وقوع عذاب الله عليهم، كما ذكَّرَهم بإنعام الله عليهم: بأنَّه جعلهم خلفاءَ مِن بعد قوم عاد، وأنْعَمَ عليهم بالقصور والجبال المنْحُوتة والنَّعيم والرِّزق والقوة، لكنَّ قومه تَجاوزوا كلماتِه وترَكوه، واتَّجهوا إلى الَّذين آمنوا بصالح، يَسألونهم سؤالَ استخفاف وازدراء: ﴿ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ ﴾ [الأعراف: 75]؟! قالت الفئة الضَّعِيفة التي آمنَتْ بصالح: ﴿ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 75]، فأخَذَت الذين كفروا العزَّةُ بالإثم، ﴿ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾ [الأعراف: 76]، هكذا باحتقار واستعلاء وغضب.

وما أكثرَ الجلسات التي تُعْقَد للإسلام وأهْلِه! وما أكثرَ المؤامرات التي تُنْسَج بِلَيلٍ في كلِّ عصْر وفي كل مصر؛ لإِزاحة الدِّين وإذْلال أهله! وما أكثرَ القرارات التي تَخرج من مطابخ الأشْرار والفاسدين لِقَهر البلاد والعباد، تحوَّلَت الكراهية عن سيدنا صالح إلى الناقة المباركة، وبدأت المؤامرة تنسج خيوطها ضدَّ الناقة، كَرِه الكافرون هذه الآية العظيمة، ودبَّرُوا في أنفسهم أمرًا.

وفي إحدى اللَّيالي، انْعَقدت جلسةٌ لكبار القوم، أصبح من المألوف أنْ نَرى أنَّ في قصص الأنبياء هذه التَّدابيرَ للقضَاء على النبي أو معجزاته أو دعْوته، تأتي من رُؤَساء القوم؛ فهم مَن يخافون على مصالحهم إنْ تحَوْل الناسُ للتوحيد، ومِن خشيتهم إلى خشية الله وحْدَه.

أخَذ رؤساء القوم يتشاورون فيما يَجِب القيام به لإِنْهاء دعوة صالح، فأشار عليهم واحدٌ منهم بقَتْل الناقة، ومِن ثَمَّ قتْل صالح نفْسِه، وهذا هو سِلاح الظَّلَمة والكَفَرة في كلِّ زمان ومكان، يَعْمدون إلى القوَّة والسِّلاح بدل الحوار والنِّقاش بالحُجَج والبراهين؛ لأنَّهم يَعْلمون أنَّ الحق يَعْلو ولا يُعلَى عليه، ومهما امتدَّ بهم الزمان سيَظهر الحَقُّ ويُبْطِل كلَّ حُججِهم، وهم لا يريدون أن يَصِلوا إلى هذه المرحلة، وقرَّروا القضاء على الحقِّ قبلَ أنْ تَقْوى شوكتُه، إنَّهم يخافون على إهدار مصالحهم، فهم يفعلون أيَّ شيء ولو القتل؛ من أجْل أن تَبْقى مصالحهم!

لكنَّ أحدَهم قال: حذَّرَنا صالح من المسَاس بالنَّاقة، وهدَّدَنا بالعذاب القريب، فقال أحدهم سريعًا قبْل أن يؤثِّر كلامُ مَن سبَقه على عقول القوم: أعْرِف مَن يَجرؤ على قتْل الناقة، ووقع الاختيار على تِسْعة مِن جبَابِرَة القوم، وكانوا رجالاً يَعِيثون الفسادَ في الأرض، الويل لمن يعترضهم.

هؤلاء هم أداة الجريمة:
ذكَر ابنُ جَرِير وغيره من علماء المفسِّرين: أنَّ امْرأتين من ثمود، اسْم إِحْداهما: صدوق ابنةُ المحيا بنِ زُهَير بنِ المختار، وكانت ذاتَ حسَبٍ ومال، وكانت تحت رجل مِمَّن أسْلَم، ففارقته، فدَعَت ابنَ عمٍّ لها - يُقال له: مصرع بنُ مهرج بنِ المحيا - وعرَضَت عليه نفْسَها إنْ هو عقَرَ الناقة، واسم الأخرى: عنيزة بنتُ غنيم بنِ مجلز، وتكْنَى أمَّ عثمان، وكانت عجوزًا كافرة، لها بنات من زوجها ذُؤَاب بن عمرو، أحَدِ الرُّؤساء، فعرَضَت بناتِها الأربع على قدار بن سالف؛ إنْ هو عقَرَ الناقة فلَه أيّ بناتها شاء.

فانتُدِب هذان الشابَّان لِعَقْرها، وسَعَوا في قومهم بذلك، فاستجاب لهم سبعةٌ آخرون، فصاروا تسْعة، وهم المَذْكورون في قوله - تعالى -: ﴿ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾ [النمل: 48].

واتَّفق المُجْرِمون على موعد الجريمة ومكان التَّنْفيذ، وفي اللَّيلة المحدَّدة، وبينما كانت النَّاقة المبارَكة تنام في سَلام، انتهى المجْرِمون التِّسْعة من إعْداد أسلحتهم وسيوفهم وسهامهم، لاِرْتكاب الجريمة، هجَمَ الرجال على الناقة، فنهَضَت الناقة مفزوعة ﴿ إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ﴾ [الشمس: 12]، امتدت الأيدي الآثِمة القاتلة إليها، وسالت دماؤها.

المصير المحتوم:
علم النبي صالح بما حدث فخرج غاضبًا على قومه، قال لهم: ألم أحذركم من أن تمسوا الناقة؟ قالوا: قتلناها، فَائْتِنا بالعذاب واستعجِلْه، ألَم تقُلْ: إنَّك من المرسَلِين؟ قال صالح لقومه: ﴿ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾ [هود: 65].

بعدها غادَر صالِحٌ قومه، ترَكَهم ومضى، انتهى الأمر ووَعَده الله بهلاكهم بعد ثلاثة أيام، ومرَّتْ ثلاثة أيام على الكافرين من قوم صالِح وهم يَهْزؤون من العذاب ويَنتظرون، وفي فجْرِ اليوم الرَّابع: انشَقَّت السماء عن صيْحة جبَّارة واحدة، انقَضَّت الصيحة على الجبال، فهَلَك فيها كلُّ شيء حي.

هي صرخة واحدة، لم يَكَد أوَّلَها يَبدأ وآخِرُها يَجِيء حتَّى كان كفَّار قوم صالح قد صُعِقوا جميعًا صعقة واحدة؛ الذي ذَبَح بيده، والذي أمَر بلسانه، والذي شاهَد بعَيْنه، هلَكوا جميعًا قبْل أن يدْرِكوا ما حدث، ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا ﴾ [الشمس: 14]، تابع عليهم ربُّهم بالعذاب، أطْبَق عليهم فلم يُفْلِت منهم أحد، أصبحوا كهَشِيم المحتظر، لم يَعُد لهم أثر، لم يعد لهم جَماد، لم يعد لهم إنسان، لم يعُد لهم حيوان، لم يعد لهم منْزل، ﴿ فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا ﴾ [الشمس: 14] سوَّى بهم الأرض؛ ذلك بذنبهم وبِمَكرهم، وبما جنَتْ أيديهم، أمَّا الذين آمنوا بسيدنا صالح، فكانوا قد غادروا المكان مع نبيِّهم ونَجَوا.




توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟