اقسام الجهاد:
وينقسم الجهاد من حيث المعنى العام الى ثلاثه اقسام:
الاول_ جهاد النفس من الشيطان
الثاني_ جهاد اهل الفسوق والعصيان
الثالث_ جهاد الكفار
فأما عن النفس والشيطان:
فهما من الد اعداء الانسان , وهما من اهم اسباب شقائه في هذه الحياه الاولى.. وفي هذا يقول احدهم معبرا عن هذا الشقاء الذي نلمسه جميعا , وربما نعيشه جميعا:
اٍني ابتليت بأربع ما سلطوا...
الا لشده شقوتي وعنائي...
ابليس والدنيا , ونفسي والهوى...
كيف الخلاص وكلهم اعدائي..
وحسبنا اذا اردنا ان نعرف خطوره النفس نقرأ قول الله تعالى : ( وما ابرئ نفسي ان النفس لأماره بالسوء).
ولهذا كان لا بد اذا اراد الانسان ان يتغلب على عدوه , ان يتغلب اولا على نفسه وهواه , حتى اذا ما دعا داعي الجهاد لملاقاه العدو المعتدى على كرامته ووطنه كان بطلا جسورا , واسدا هصورا في وجه اعدائه..
فالبطل اذا..هو الذي يطلب الموت لتوهب له الحياه , وهو الذي لا يبالي بكل هذه المتع الرخيصه التي تزينها نفسه الاماره , في سبيل الوصول الى الهدف الاسمى..وهو الانتصار على عدوه الغادر..اعلاء كلمه الله , ورفعه لوطنه , وتأمينا له.
والاصحاب الفضلاء ما انتصروا بقياده قائدهم الاعلى صلوات الله وسلامه عليه على اعدائهم _ اعداء الدين_ الا بعد ان نقاهم الرسول صلى الله عليه وسلم , وطهر قلوبهم من الغل والحسد , وربط بين هذه القلوب الطاهره برباط الاخوه الخالصه التي اساسها الحب لله تحت شعار قول الله تعالى: ( اٍنما المؤمنون اخوه..) ولهذا كانوا كما تحدث الله سبحانه وتعالى عنهم في كتابه : (ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصه..). وكانوا ايضا كما وصفهم الله تعالى : ( اشداء على الكفار رحماء بينهم..).
ومن هنا كان لا بد اذا اردنا ان نكون كهؤلاء الرجال ان نسير على منوالهم, ونتخلق باخلاقهم القويمه التي ما تربعت على قلوبهم الا بعد ان طهروها من حب الدنيا وكراهيه الموت..لانهم كانوا ينشدون هدفا اسمى رغبهم الله سبحانه وتعالى فيه بعد قوله: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطره من الذهب والفضه والخيل المسومه والانعام والحرث ذلك متاع الحياه الدنيا والله عنده حسن المآب).
ثم قال: ( اؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وازواج مطهره ورضوان من الله والله بصير بالعباد).
ولهذا كانت الدنيا بكل ما فيها من شهوات لا وجود لها في قلوبهم , ولا بريق لها في مخيلتهم..وماكان كل هذا الا نتيجه لما راوه من قدوتهم الكامل صلوات الله وسلامه عليه, الذي كان يزهدهم دائما وابدا في حب الدنيا قولا وعملا , كما كان يرغبهم ايضا في اعمال البر , والمسارعه الى الاسباب التي تقربهم الى الله تعالى , وتذكرهم به..فكانوا كما تحدث الله سبحانه وتعالى عنهم في حديث قدسي: "...رهبانا بالليل , ليوثا بالنهار , ينادي مناديرهم في جو السماء, لهم دوي كدوي النحل..."
فكانت النتيجه الحتميه لهذه النماذج الاخلاقيه النادره ان انتشر الاسلام وذاع وشاع حتى ملأ البقاع, وحتى دانت لهم الامم , وخضعت لسلطانهم الرقاب , وكان فضل الله عليهم عظيما.
فالاسلام ما غزا شبه الجزيره العربيه , وما انتصر على دولتي الفرس والروم الا بهؤلاء الرجال الذين انتصروا على انفسهم , وباعوها لله الذي تفضل عليهم بنعمه الاسلام والذي لولاه لظلوا ما شاء الله يتخبطون في ظلمات الجهل, ويعبدون الاحجار والابقار ,ويقتلون البنات مخافه الفقر والعار.
وقد اشار الله سبحانه وتعالى الى هذه المنه فقال في كتابه العزيز: (لقد منّ الله على المؤمنين اٍذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمه واٍن كانوا من قبل لفي ضلال مبين).
ولما كان هؤلاء الرجال الابطال قد ادوا واجبهم المقدس نحو دينهم ووطنهم , وتركوا الاسلام امانه في اعناقهم..كان لا بد ان نكون اهلا للمحافظه على هذه الامانه التي تهون في سبيلها الدنيا بأجمعها,,وذلك بالمجاهده المستمره مع النفس بكبح جماحها , والسيطره عليها حتى لا نكون مطيه لها , ونخسر كل شيئ بسببها..وحتى لا يحدث ما اشار اليه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله : " ما ظهر الغلول في قوم الا القي في قلوبهم الرعب , ولا فشا الزنا في قوم الا كثر فيهم الموت , ولا نقص قوم المكيال والميزان الا قطع عنهم الرزق , ولا حكم قوم بغير حق الا فشا فيهم الدم , ولا ختر (نقض) قوم بالعهد الا سلط الله عليهم عدوهم" رواه مالك . وقوله : "يوشك الامم ان تداعى عليكم كماتداعي الاكله على قصعتها"فقال قائل: اومن قله نحن يومئذ؟ قال: "بل انتم يومئذ كثير ..ولكنكم غثاء كغثاء السيل , ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابه منكم , وليقذفن في قلوبكم الوهن" قال قائل: يا رسول الله..وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا وكراهيه الموت".رواه ابو داوود والبهيقي .
مع ملاحظه ان الايمان الذي هو من اهم اسباب النصر على الاعداء كما جاء في قوله تعالى : ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين) لن يكون حقيقه ملموسه الا بمجاهده النفس والسيطره عليها.
ولذا تره سبحانه وتعالى في حديثه عن المؤمنين يقول: (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمورن بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله..).
ولهذا...ومن اجل هذه الصفات التي من اهمها المحافظه على حدودالله , وعدم تعديها حتى لا يظلموا انفسهم تنفيذا لقول الله تعالى: (تلك حدود الله فلا تقربوها)ويذكرون قوله تعالى : (..ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه)بشرهم الله سبحانه وتعالى بقوله: (..وبشر المؤمنين).
واحذر ان يقودك الشيطان الرجيم الى الهاويه التي ان هويت فيها كنت من الهالكين.
وحسبك تحذيرا لك من كيده وترغيبا لك في مهاجمته ان تعلم انه عدوك اللدود الذي اقسم بعزه الله سبحانه وتعالى على اغوائك, فقال مخاطبا رب العزه : (..فبعزتك لاغوينهم اجمعين).
ولذلك حذرنا الله سبحانه وتعالى منه ومن كيده فقال: ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما اخرج ابويكم من الجنه ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهمااٍنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم اٍنا جعلنا الشياطين اولياء للذين لا يؤمنون)
فجاهد هذا اللعين واحذر ان يكون وليا لك, واذا اردت ان تتغلب عليه وتتحصن منه فعليك بالاستغفار والاكثار من ذكر الله تعالى الذي يقول: ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين) ويعش: اي يغفل.
وقد روي انه لما نزل قوله تعالى: (..وما كان الله معذبهم وهم يستغفون). صاح ابليس ودعا بالويل والثبور ..فاجتمعت عليه شياطينه وقالوا له : مالك؟ قال: نزلت ايه لا يضر بعدها ذنب..وذكرها لهم فقالوا: نفتح لهم باب الاهوء وتحسين الاعمال حتى لا يتوبوا..ففرح بذلك.
فلا حظ كل هذا ..واياك ان تكونمن الذين تحدث الله تعالى عنهم فقال: (..وزين لهم الشيطان اعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون)وضع نصب عينيك دائما ابدا حتى لا تضل او تزل قول الله تبارك وتعالى: (..ولا تتبعوا خطوات الشيطان اٍنه لكم عدو مبين).
يتبع....جهاد اهل الفسوق والعصيان
__________________