القلوب بين اصبعين من اصابع الله جل وعلا ، والنفس البشرية في صراع مستمر في هذه الحياة المتغيرة أبدا ، تتغلب الأمارة بالسوء أحيانا ، وتسود اللوامة في احيان أخر ، وكل يوم هي في شأن ، نسأل الله التثبيت على الحق ..
وسياسة الاحتواء سياسة ناجحة ومهمة جدا جدا في هذا المجال ، ومن يوفق الى ممارستها لا شك هدي الى خير كثير ، اذ ادواتها الحب والحنان والعطف والشفقة والرحمة والصبر وطولة البال والرضا بما قسم الله جل وعلا وغيرها من فضائل النفس البشرية والخلق الرفيع ، ومن أوتيها أوتي خيرا كثيرا ووفق في مهمة اصلاح القلوب التي ولاه الله أمر رعايتها ..
واذا لم نعمل على احتضانهم وتبصيرهم باخطائهم فسنحكم عليهم بابشع النهايات .. منهم من سيترك الدراسة ويصير بطالا عالة على الاخرين ، ومنهم من سيجره قادة الجريمة الى براثنها الموحلة فيخسر نفسه ويؤذيها ويؤذي الآخرين ، ومنهم من ستجتاله شياطين الجن والانس ليكون معول هدم في خاصرة أهله وأمته ، ومن الخير للجميع أن يسهم كل بدور لتكريم الانسان الذي قال عنه جل وعلا : " ولقد كرمنا بني آدم " ..
هي دعوة لأن نطبق هذه السياسة الناجحة ، ان نستخدم أدواتها الفعالة أثناء ممارسة جهودنا التربوية ، في البيت ، والشارع ، والمدرسة ، والمسجد ، والمعمل والمصنع ، وفي كل مجالات الحياة ..
كل المؤشرات تدل على تفاقم المشكلة وازدياد ابعادها لأسباب كثيرة لا تخفى على كل ذي لب ، منها الانشغال او التشاغل أحيانا ، منها الجهل او عدم الوعي بالمسئولية ، منها عدم فهم المربي لأنفس من ولاه أمرهم واستخدامه لأساليب عقيمة لا تصلح لاصلاحهم ، الى غير ذلك ..
ومن بين من أشرنا اليهم أولاد أناس صالحين يعرفون مسئوليتهم حق المعرفة ويبذلون جهودا مضنية لاصلاح الأولاد لكنهم لا يجدون من يستمع الى توجيهاتهم ونصحهم ولا من ينفذها فتضيع جهودهم في هذه الدنيا لكنها لا تضيع عند الله جل وعلا ، وينطبق على مثل هؤلاء المثل القائل : لا رأي لمن لا يطاع ..
في المسألة غير قليل من قدر الابتلاء ، ومن الناس من يبتليه الله جل وعلا في ولده وان كان في حقيقة نفسه صالحا ، ليعرف أيصبر أم يكفر ، وليس على الانسان اكثر من أن يستعين بالله جل وعلا ويبذل ما يستطيع من جهد بشري ، فاذا وفقه الله فمنة من الله وامر حسن ، واذا خاب مسعاه فلا يقنط ولا ييأس ، بل عليه أن يصبر ويكمل المشوار ويعيد المحاولات بأساليب مختلفة وطرائق غير مطروقة من قبل ، يتأسى بهدي المرسلين عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، وبما حصل لأفاضل الناس وصلحائهم من مآسئ ، ونتذكر هنا مصاب نبي الله نوح عليه السلام في ابنه العاق ، يدعو الله جل وعلا للولد الهداية ولجهوده القبول ، يضرع اليه جل وعلا في أوقات الاستجابة ، يتذلل بين يديه ، يقف على أعتابه ، يتفقد نفسه ، يصلح عيوبها ، والله من وراء القصد ..
ولا مشكلة ان شاء الله تعالى اذا تضافرت الجهود وقام كل بدوره وتحمل كل مسئوليته ، فالأسرة بكامل أفرادها عليهم أدوار مناطة بهم تجاه ولدهم ، وكذا المعلمين بالمدرسة وامام وجماعة المسجد ، والجيران وأهل الحي والزملاء والأصدقاء ، ثم تتسع الدائرة لتشمل الجميع مثل جهات الرعاية الاجتماعية والمؤسسات الأمنية والمؤسسات الاعلامية وغيرها كل حسب مسئوليته ..
وهناك فضل العظيم الذي ينتظر من يهتم بهذه الفئة العزيزة على قلوبنا ، ومن حسن حظنا نحن المسلمين ان أفعالنا لا تذهب سدى ، واذا لم نجد آثارها في الدنيا وجدناها في الآخرة ..
كثير من المربين بحاجة ماسة الى ان يتعلموا أولا ، والمربي الذي لا يدرك أهمية وخطورة المهمة التي يقوم بها ولا كيفية القيام بها على الوجه الصحيح يكون عبئا على رعيته ومجتمعه ، وقديما قيل :
اذا كان رب البيت بالدف ضارب فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
وقيل أيضا :
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده ابوه
ان البيت هو المدرسة الأولى التي يترعرع فيها الولد وبها يتشكل سلوكه الاجتماعي المستقيم أو المنحرف ، ومن يقصر في هذه المانة الثقيلة يعتبر مرتكبا لخطأ فادح وينطبق عليه قول العلم الجليل ابن القيم الجوزيه يرحمه الله : " وكم ممن أشقى ولده ، وفلذة كبده في الدنيا والآخرة باهماله ، وترك تأديبه واعانته على شهواته ، ويزعم أنه يكرمه وقداهانه ، وأنه يرحمه وقد ظلمه ، ففاته انتفاعه بولده ، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة ، واذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء " ..
ومما يجب أن يحرص المربي على تعلمه لتربية أولاده توجيههم الى العناية بحقوق الله جل وعلا وبحقوق البشر ، وأن يكون للولد رسالة وأهداف يعيش لتحقيقها ويعمل على ذلك ، وأن يبعدهم عن الميوعة والفوضى والبذخ والترف الكاذب ، أن يعلمهم العلم النافع ويحثهم على العمل الصالح ، أن لا يعطيهم المادة بدون حساب ، أن يعلمهم احترام الآخرين ، أن يحببهم في المهن ، أن لا يقسو عليهم ولا يفرق بينهم في التعامل ، أن يبعدهم عن الاهتمام بسفساف الأمور ورذائل الأخلاق ، أن يكون قدوة حسنة لهم ولا يفعل المنكرات والأخطاء والمخالفات خصوصا اذا كانوا حاضرين ، أن يربيهم على الاعتماد على النفس وتحمل المسئولية ، الى غير ذلك مما يصلحهم باذن الله تعالى ..
عبد الله الصانع