زهور تبحث عن آنية
فئة عزيزة على قلوبنا يسيئون بتصرفاتهم الجاهلة وبقلة الاهتمام منا او انعدامها في كثير من الأحيان الى أنفسهم وزملائهم وجيرانهم وأهليهم ويتعدى خطرهم الى غيرهم من جهات التربية والتعليم ورعاية النشئ والجهات المسئولة عن ضبط الأمن وانفاذ القوانين وشرائح كبيرة من المجتمع باشخاصه ومؤسساته وهيئاته وتنظيماته المختلفة التي تصب جهودها لصالح تنشئتهم والعناية بهم ..
تراهم يتجمعون في أوقات مختلفة من الليل والنهار في زوايا الأزقة والشوارع وعلى قوارع الطرق ، ويتخذون من أرصفة الشوارع والميادين والساحات العامة اماكن لجلوسهم ومتكئهم لتزجية ما يعيشون من فراغ وتضييع للأوقات في القيل والقال وتبادل الأحاديث السطحية والنكات السمجة والتعدي في بعض الأحيان على حقوق الآخرين بشتى الطرق ..
يتنقلون زرافات ووحدانا من شارع الى شارع ، ومن ساحة الى ساحة ، ومن ميدان الى ميدان ، ومن حي الى حي ، منهم من يسير راجلا ، أو مستقلا لدراجة عادية أو نارية أو سيارة خاصة به ، أو بزميل آخر ..
لبس بعضهم مختلف عما اعتاد عليه أهل البلاد ، وفيه تشبه بما عليه بعض نجوم الرياضة والفن المحليين أو العالميين ، ملابس غريبة وقصات شعر مختلفة ، تحركات مريبة ، وطرائق تعامل فيها غير قليل من الاستخفاف بالآخرين ، وعدم الحساب لهم ..
الكلام البذيء يصدر من بعضهم لبعضهم الآخر ، او للمارة وعابري السبيل ، والسيجارة احدى الأدوات التي يعتقدون أنهم من خلالها سيحصدون مظاهر الاعجاب من أقرانهم الأغرار ، وكذا اثبات الرجولة عند بعض السذج من الكبار ..
يشكلون مصدر قلق لأهليهم سواء كانوا داخل البيت أو خارجه ، بعدم الانصات الى الأوامر وتنفيذ التوجيهات وأداء الواجبات التي يطلب منهم تنفيذها ، كالصلاة والمذاكرة بشكل منتظم أو قضاء بعض احتياجات الأسرة أو مساعدة احد الاخوة أو الحفاظ على أصول وممتلكات المنزل .. ... الخ ..
تحث احدهم على الذهاب الى المسجد لأداء الصلاة فيمكث فترة طويلة في دورة المياه حتى ينصرف الناس من صلاتهم ، او يذهب متأخرا فيجتاله أحد شياطين الانس ليشغله عن الصلاة أو كلها أو ليأتي الى المسجد عجلا فلا يحسن الركوع ولا السجود ولا يهتم بخشوع ولا اطمئنان وانما يحدث حركات مع اقرانه تؤدي الى اختلال الصف والتشويش على المصلين ، ينقر الصلاة نقرا ثم يفر كمن به مس ربما قبل أن يتم الامام التسليمة الثاتية لينضم الى تجمعات رفقائه المشبوهة ، أو ليبقية معه في زاوية من الزوايا يدخنان أو يتحدثان فيما لا فائدة فيه ولا طائل من ورائه أو يعبثان بحقوق الغير أو الحقوق العامة كتكسير الأشجار أو تحطيم زجاج الأبواب او النوافذ أو اللوحات الارشادية أو ممارسة الكتابة على الجدران أو تخريب الألعاب أو العبث بدورات المياة الخاصة بالمساجد ، أو تحطيم شبابيك السيارات أو ما شابه ..
تطلب من أحدهم الذهاب الى البقالة المجاورة أو الدكان المعين بالحي لجلب حاجة من الحاجات له أو للأسرة ، فيغيب لدقائق أو أحيانا لساعات تزيد كثيرا عما تحتاجه المهمة ، وعندما تعاتب تأخره وعدم رده على اتصالاتك الجوالية الهادفة الى الاطمئنان عليه يخبرك بأنه وجد زميلا لم يلقه منذ مدة وأنه بقي معه قليلا لتبادل الأحاديث ..
تخلد الى النوم بعض الوقت في فترة القيلوة أو في عصرية من العصارى لتصحو على صوت زوجتك أو أحد أولادك الآخرين مخبرا عن أخذ أحدهم لمفاتيح سيارتك والذهاب بها الى حيث لا يعلمون ، وتفاجأ للأمر ، لا سيما وهو غير مسموح له نظاما بقيادة السيارة لصغر سنه عن السن القانونية ، ويزيد الطين بله ، ما تعلمه من محدثك من أن المذكور تعرض لحادث مروري ، أو أنه تم ايقافه من رجال المرور لمعاقبته على مخالفته ، ولا تسلم من تحمل تبعات الموقف ، ما كان منها ماديا أو معنويا ، وأشنعها ان توصف انت الحريص بالاهمال ..
تطلب منه الذهاب الى المدرسة ، لتكتشف بعد فترة بعد ان يتم استدعاءك من ادارة المدرسة أنه لم يحضر منذ مدة ، او انه يشارك بعض أقرانه في التفحيط على مرأى من الطلاب ووسط تشجيعهم متحديا لتوجيهات معلميه والمسئولين عن المدرسة ، فيسقط في يدك ..
يطلب منك السماح له بالذهاب مع أقرانه في رحلة مدرسية الى البر او استراحة من الاستراحات ، ويعدك ان يعود عند التاسعة لتبقى منتظرا حضوره الكريم وسط قلق مبرح حتى منتصف الليل او اكثر رث الهندام من آثار التسكع سئ الرائحة من آثار تعاطي الدخان ..
في غفلة منك ، يفتش احدهم محفظة نقودك فيستولي على مبلغ معين من المال وجده في جيبك ، او بطاقة صرف آلي او ائتمان ، وبعد فترة تكتشف أنت الذي لا تحرم أولادك مما قد يحتاجون أنك قد تعرضت لسرقة ، لا تعرف مصدرها ، فتمنى الى جانب الخسارة المادية بخسارة معنوية تتمثل في الشعور بعدم الأمان حتى في عقر دارك وانت مع اعز الناس على قلبك ..
وووووووو .. في ظل هذا الواقع المؤلم ، ليس بمستغرب ان تقرأ يوميا أخبار تدمي القلوب ، وتشاهد مشاهد تتفطر لها الأفئدة ، جرائم قتل الوالدين لأولادهم أو الأولاد لوالديهم في ازدياد وكذا الأزواج ، العقوق أصبح يلون حياة الكثيرين ، والانتحار كثرت حالاته من الرجال والنساء شيبا وشبابا ، وكذا السرقة بمختلف أنواعها سواء للمنازل او المتاجر اوالمؤسسات او للسيارات أو غيرها ، هروب الأولاد من منازل اهليهم كثر وأسفر عن عواقب وخيمه لهم ولأهلهم ومجتمعهم ، التسرب من المدارس في ازدياد ، والبطالة كذلك ، المعاكسة على أشدها ولم تعد بشكلها الساذج بل يستخدم لتنفيذها كثير من الوسائل التقنية المتاحة ، تعاطي المسكرات والمخدرات في ازدياد وامتد من الرجال الى الأطفال الى النساء والفتيات ، والزنا واللواط والممارسات غير الأخلاقية الأخرى في ازدياد ..
انهم زهور تبحث عن آنية ، وقلوب تائهة تبحث عن قلوب حانية ، فاجعلوا أفئدتكم لهم القلوب وأوانيكم لهم الآنية ، اغدقوا عليهم حبكم وعطفكم ، ولا تنسوهم من عنايتكم ورعايتكم وحسن توجيهكم ، أحسنوا اليه بالكلمة الطيبة ، وبالنصيحة المخلصة ..
على الآباء والقائمين على التربية في محاضنها ومؤسساتها المختلفة مسئولية عظيمة لحفظ النشء مما هم فيه ، ومؤخرا ، وبسبب انغماسنا في ملهيات وملذات الدنيا ولهاثنا على تحصيل شئ من حطامها فرط الكثيرين منا في القيام بمسئولياتهم تجاه تربية فلذات أكبادهم وأصبح الرابط الوحيد بين الطرفين تلبية الطلبات المادية ..
الجهل بالمسألة اعده من عظائم الأمور التي أفضت الى هذا الواقع المر ، وكما يقال : فاقد الشئ لا يعطيه ، وكم من مربي لا يعرف ماذا تعني هذه المهمة الحساسة ولا يقدر تبعاتها ولا يبذل الجهد المطلوب لبذل شئ يخفف من قتامة الصورة ..
مسألة التربية جد ، وأمانة الكلمة تقتضي عدم الصمت ، واذا نظرنا الى الأخطار المحيقة بفلذات اكبادنا من كل صوب ، فانني لا استطيع مع احترامي وتقديري لك الانكفاء والتقوقع على الذات ، بل أعد ذلك لو حصل خيانة لهؤلاء الأحبة ..
ولا بد يا رعاك الله أن نهتم وأن نقرع أجراس الانذار بواقعية وهدوء ، وان نسهم في علاج هذه المشكلة الحقيقية ..
والواقع يشهد بنجاح كثير من الأميين في تربية من ولاهم الله أمرهم ، ومع أهمية أن يكون الانسان متعلما ان يكون مربيا ، لكن ليس كل متعلم مربي بالضرورة ، لا سيما اذا لم يتم توظيف هذا العلم بالشكل المطلوب ..
من أشرت أنا اليهم في مقالتي المتواضعة يصدق القول على ان بعضهم من أولاد المتعلمين والذوات ، ان صح التعبير ، واذن لا تلازم بين الأمرين ..
المهم الوعي بالمسئولية ، بحجم المشكلة ، بالرغبة في الاسهام لمعالجتها ، بثقل الأمانة ..
وبلا ريب سيكون الجيل القادم أفضل لو وظف الجيل الحالي مقدراته لصالح هذا الجهد الحيوي الذي لن تتقدم الأمة الا بفضل الله تعالى ثم بفضل بذله .. لكن المحير في الأمر ان التربية وظيفة لا اعتقد انها تتربع على سلم الأولويات عند الغالبية ، الأمي منهم والمتعلم ، وأرجو ان لا أكون بهذا متشائما !!