عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2006-02-15, 3:12 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
وهي الينبوع الثاني من ينابيع الشريعة الإسلامية .

هي المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد كتاب الله عز وجل : (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)(آل عمران/164) والحكمة هنا : السُّنَّة .

ولقد أمرنا المولى سبحانه باتباعها ونهانا عن مخالفتها : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(الحشر/7) ليس لنا إلا التسليم المطلق بها والإذعان لأحكامها : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم)(الأحزاب/36) .

كما جعل سبحانه التسليم بها دلالة وعلامة على الإيمان الحق الصادق : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(النساء/65) .

وهي حجة في التشريع ؛ لأنها وحي يوحى : (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)(النجم/3 ، 4) .

من أجل ذلك كانت أقواله وأعماله - صلى الله عليه وسلم - بوصفه رسولاً - داخلة في نطاق التشريع .

وما دامت أحكامه صادرة عن طريق الله تعالى : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ )(النساء/105) ، وما دام هو مهدي إلى صراط الله تعالى وهو يهدي إلى صراط الله عز وجل ، فعلى الناس الائتمار بأمره ، والابتعاد عن نهيه : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(الحشر/7) .

فإذا كان الأمر كذلك ، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو : كيف نحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟

إن حبه - صلى الله عليه وسلم - يكون بتعظيمه وتوقيره واتباع سنته والدفاع عنها ونصرة دينه الذي جاء به ، وبمعنى آخر أن نحبه كما أحبه أصحابه - رضوان الله عليهم - .

فمن المعلوم أن المجتمع المكي كان مجتمعـًا كافرًا فجاءه النور المبين - صلى الله عليه وسلم - ، فدعا إلى الله سبحانه ، ولقي ما لاقى من الصد والإعراض والأذى ، وأبى أكثر الناس إلا كفورا ، وفتح الله سبحانه بعض القلوب لهذه الدعوة الخالدة ، ولهذا النور المبين ، فدخلت مجموعة بسيطة في دين الله سبحانه ، فكيف كان الحب بينهم ؟

لقد بدأ هذا الحب بينهم وبين من أخرجهم الله تعالى به من الظلمات إلى النور، بينهم وبين محمد - صلى الله عليه وسلم - .

فهذه زوجه خديجة - رضي الله عنها - ومنذ اللحظة الأولى التي أبلغها فيها بنزول الوحي ، هاهي تدفع - رضي الله عنها - عنه ، وتثبت فؤاده بكلمات تبدو فيها المحبة ، جلية ، إذ تقول : " كلا والله ، ما يخزيك الله أبدًا ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكلَّ ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الدهر " .

ولئن كانت هذه زوجه ، فانظر ما فعل أبو بكر - رضي الله عنه - يوم وقف في قريش خطيبـًا يدعوهم إلى الإسلام ، وما زال المسلمون في المرحلة السرية للدعوة، وعددهم قليل
فقام إليهم المشركون يضربونهم ضربـًا شديدًا ، وضرب أبو بكر - رضي الله عنه - حتى صار لا يعرف أنفه من وجهه
، فجاء قومه بنو تيم فأجلوا المشركين عنه وأدخلوه منزله وهم لا يشكون في موته - رضي الله عنه -
وبقي أبو بكر - رضي الله عنه - في غشية لا يتكلم حتى آخر النهار ، فلما أفاق كان أول ما تكلم به :
" ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ " فلامه الناس .

لاموه على أن يذكر محمدًا - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذا الموقف الذي يفترضون فيه أن يذكر نفسه
وأن يتحسر على حاله .

لاموه فما أبه لهم ، وصار يكرر ذلك ، فقالت أمه :
" والله ما لي علم بصاحبك محمد "
فقال : " اذهبي إلى أم جميل فاسأليها عنه "
وكانت أم جميل امرأة مسلمة
فلما سألتها أم أبي بكر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قالت أم جميل حُبًّا لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وحرصـًا عليه :
" لا أعرف محمدًا ، ولا أبا بكر "
ثم قالت : " تريدين أن أخرج معك ؟ "
قالت : " نعم " ،
فخرجت معها إلى أن جاءت أبا بكر - رضي الله عنه - فوجدته صريعـًا ،
فصاحت وقالت : " إن قومـًا نالوا هذا منك لأهل فسق ، وإني لأرجو أن ينتقم الله منهم "
فقال لها أبو بكر - رضي الله عنه - : " ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
" فقالت له : هذه أمك تسمع " ، قال - رضي الله عنه - : " فلا عين عليك منها "
- أي أنها لن تفشي سرك -
فقالت : " سالم هو في دار الأرقم "
فقال - رضي الله عنه - : " والله لا أذوق طعامـًا ولا أشرب شرابـًا أو آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "
فقالت أمه : فأمهلناه حتى إذا هدأت الرِّجل وسكن الناس خرجنا به يتكئ عليَّ
حتى دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرقّ له رقّة شديدة ، وأكب عليه يقبله ، وأكب عليه المسلمون كذلك
فقال أبو بكر - رضي الله عنه - : " بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ما بي من بأس إلا ما نال الناس من وجهي ، وهذه أمي برَّةٌ بولدها فعسى الله أن يستنقذها بك من النار "
فدعا لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعاها إلى الإسلام فأسلمت.

أيُّ حبٍ تكنه يا أبا بكر لصاحبك ؟!
أما انشغلت بنفسك وجراحك ووجهك الذي تغيرت معالمه ؟
لو شغلتك آلامك لما لامك أحد من العالمين ، ولكن ماذا تصنع بحب ملك عليك كل جوارحك ؟

إنه يحب في محمد - صلى الله عليه وسلم - الخُلق الذي طالما امتدحوه به قائلين : هذا الصادق الأمين .

إنه يحب فيه الخُلق الحسن ، والرأي السديد ، والعشرة الطيبة
وكل ذلك قد خبره محمد - صلى الله عليه وسلم -
وهو اليوم يحب فيه إلى جانب ذلك كله النبي - صلى الله عليه وسلم - .

أما خبر سعد بن الربيع - رضي الله عنه - فعجيب ، حيث سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((أفي الأحياء سعد أم في الأموات ؟))
فخرج أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه - يستطلع الخبر ، فوجده في الرمق الأخير
فقال سعد : " بل أنا في الأموات ، فأبلِغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عني السلام
وقل له : إن سعد بن الربيع يقول لك : جزاك الله عنَّا خيرًا ، ما جزى نبيـًا عن أمته "
ثم قال لأبي : " وأبلغ قومك عني السلام ، وقل لهم : إن سعد بن الربيع يقول لكم إنه لا عذر لكم عند الله أن يخلص إلى نبيكم - صلى الله عليه وسلم - وفيكم عين تطرف "
ثم لم يبرح أن مات ، فجاء أبي بن كعب - رضي الله عنه - النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره الخبر
فقال - صلى الله عليه وسلم - : ((رحمه الله ، نصح لله والرسول حيـًا وميتـًا)) .

ومن حب الأنصار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما رواه ابن هشام في سيرته من أنه مر - صلى الله عليه وسلم -
بدار من دور الأنصار من بني عبد الأشهل وظفر ، فسمع البكاء والنواح على قتلاهم
فذرفت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبكى،
ثم قال - صلى الله عليه وسلم - : ((لكن حمزة لا بواكي له ! ))
فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير - رضي الله عنهما -
إلى دار عبد الأشهل أمرا نساءهم أن يتحزمن ، ثم يذهبن فيبكين على عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فلما سمع بكاءهن على حمزة - رضي الله عنه - خرج - صلى الله عليه وسلم -
عليهنَّ وهنَّ على باب المسجد يبكين عليه
فقال : ((ارجعن يرحمكنَّ الله ، فقد آسيتن - عزيتن وعاونتن - بأنفسكنَّ))
وفي رواية أنه قال - صلى الله عليه وسلم - لما سمع بكاءهنَّ :
((رحم الله الأنصار ، فإن المواساة منهم ما علمت لقديمة، مروهنَّ فلينصرفن)) .

ومما يذكر أيضـًا من هذا الحب الذي لا نهاية له حكاية تلك المرأة من بني دينار
وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأُحد ، فلما نُعُوا لها قالت :
" فما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ "
قالوا : " خيرًا يا أم فلان ، هو بحمد الله كما تحبين " ،
قالت : " أرونيه حتى أنظر إليه "
فأشير لها إليه ، حتى إذا رأته قالت : " كل مصيبة بعدك جلل " - أي صغيرة- .