الملهيات لا تصنع الشعوب ..!! = = = =
كثيرة هي الملهيات التي تشغل أوقات أبنائنا وبناتنا ، بل وكبارنا صغارنا ،
عن التفكير فيما هو أهم ليومهم وغدهم ، وفي ما هو أولى وأجدى وأنفع
لوطنهم وأمتهم ..
انشغل أكثر الخلق بتلك الملهيات انشغالاً جعلهم لا يلتفتون عنها ،
ولا يفرطون فيها ، ولا يسمعون نصيحة ناصح حولها ..!
لقد انصرفوا إليها بكل قلوبهم وأرواحهم وأعصابهم ، فإذا ما تعبوا منها ،
كانت البدائل الجديدة جاهزة ، ملهيات أخرى حديثة ومثيرة ، واشد جاذبية ،
فإذا هم ينغمسون من جديد حتى آذانهم ، ولا يفكرون في شيء سواها ..!
بل وتراهم معها قد أصبحوا كالجزر المنفصلة عن بعضها ، تقطعت بهم السبل ،
ونسفت بينهم الجسور ، وانهارت العلاقات الحميمة حتى في الأسرة الواحدة ..!
وهكذا كلما وصلوا إلى مرحلة التشبع من ملهيات كانوا فيها ، فوجئوا بطرح
ملهيات أخرى أكثر إثارة ، فتدور الدائرة من جديد ، ويعودن إلى الطاحون
مرة أخرى ..كأنما هم قوم مسحورون ..!
خلال ذلك تجدهم ينفقون الكثير من المال ، والكثير من الوقت ، والكثير من الجهد
الضائع ، وقد يكتسبون خلال ذلك سلوكيات خاطئة ، بل ربما يكون بعضها مدمرا
وتدور عجلة الحياة مع هؤلاء على هذه الشاكلة ، ويمضي العمر ، وكأنما هم صم بكم عمي فهم لا يعقلون ..!
فكأن الأمر مقصود ومبيت ، ومتعمد مع سبق الإصرار ..حتى لا يتفرغ هؤلاء
الشباب والفتيات إلى شيء آخر مما ينفعهم وينفع أوطانهم ، وينفع أمتهم ،
وينفع دينهم …!!
استحالة مطلقة أن تقوم الأوطان على أمثال هؤلاء ، الذين آثروا أن يكونوا ألعوبة
في أيدي سواهم ، والذي جعلوا غاية وجودهم أن يركبوا مراكب الهوى ،
والإبحار مع ملهيات ليس من شأنها أن تصنع إلا أناسا مفرغي المحتوى !!
إن حضارات الدنيا كلها لم تبنَ على أكتاف أقوام جعلوا هذه الملهيات كعبتهم
التي يطوفون بها ، وغايتهم التي يدندنون حولها ..!
والأنكى أنها ملهيات تتوالى على مدار الساعة ، ولا يبدو في الأفق أنها ستتوقف ،
بل لا يزال حبلها على الجرار ، وفي كل يوم جديد ، يسيل له اللعاب !!
نعم ، إن التسلية أمر مطلوب ، بل هي شيء لا يمكن الاستغناء عنه ، ولكن
مكمن الخطر أن تصبح هذه التسلية غاية وهدف ، وأمر لازم تدور عليه حياة
الإنسان ، ليل نهار ، وصباح مساء ، وتصبح الحياة كلها هزل لا جد فيه ،
وتسلية لا وقت معها لشيء غيرها ، فيصبح هذا الإنسان ويمسي ، ويستيقظ وينام
، ويقوم ويقعد ، ويأكل ويشرب ، ويقرأ ويكتب ، ويتكلم ويسكت ،
وهم منغمس تماماً في ملهيات الحياة ، التي تتجدد في كل ساعة ..!
نعود نقول لنقرر : نعم إن التسلية شيء مطلوب ، ولكن بشرط
أن تكون كالملح في الطعام ، ولك أن تتخيل كيف لو أصبح الطعام كله ملحاً ..!!
شعوب العالم تتلهى ، هذا حق ، ولا نجادل في ذلك ، ولا ننكره ، ولكن
هل ترى أن حياة تلك الشعوب بجملتها أصبحت لا تدور إلا في هذه الطاحونة !؟
كم عدد الذين ينغمسون في هذه الملهيات ولا يفيقون منها ، ولا يخرجون من محيطها ، ثم كم عدد الذين يبنون الحياة فعلا ، من خلال مكتشافاتهم واختراعاتهم
، وابتكاراتهم ، وعلومهم المختلفة .. ؟
قارن بين هاتين الدائرتين في عالمنا العربي ، وبينهما في العالم الذي يتنافس
ليصل إلى ما بعد المريخ ..!
تجدنا شطارين جدا في منافستهم في الدائرة الأولى ، أما الثانية فنكاد نكون
مفلسين تماماً منها ..!
أقول والمرارة تملأ فمي :
إذا جاز لغيرنا من شعوب الأرض أن تتلهى ، فإن أمتنا ينبغي أن تكون آخر الأمم
التي يحق لها أن تنشغل بهذه الملهيات ، لأسباب كثيرة لا تخفى على ذي نظر ..
وهل يخفى على عاقل ما تتعرض له هذه الأمة ، من محاولات اجتثاث
لتاريخها وقيمها ولغتها ودينها …!
فضلا على أنها أمة مفلسة تقريبا من العلماء المكتشفين والمبتكرين والمبدعين
صانعي الحضارات ، وإن وجدوا ، فلا أثر لهم فيها ، فكأنهم عدم ..!
إن سنن الله لا تجامل أحداً ، فمن أخذ بسنن الله وسار في طريقها ، فتح الله عليه
أبواب الدنيا ، وانهلت عليه خيراتها .. ومن أدار ظهره لسنن الله فلا يلومن إلا نفسه ..
( وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) سورة محمد
ابو عبد الرحمن