عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2010-07-11, 11:09 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي التربية بمعرفة النفس
التربية بمعرفة النفس
مقال متميز للأستاذ / أشرف حسن طبل

قال أبو مسلم الخولاني : ( أريتم نفساً إن أنا أكرمتها ونعمتها وودعتها ، ذمتني غداً عند الله ، وإن أنا أهنتها وأسخطتها وأنصبتها وأعملتها مدحتني عند الله غداً ؟ قالوا : من تيك يا أبا مسلم ؟ قال : تيكم والله نفسي )
فمن الوسائل التربوية لتهذيب النفس وإصلاحها ، والأخذ بها في السير إلى الله التربية بمعرفتها، لأنه كما يقول الإمام ابن القيم :
( من لا يعرف نفسه كيف يعرف خالقه )
ومن هنا فهم جيل التابعين خطورة الجهل بالنفس ، وأهمية معرفتها ، وأن معرفتها خطوة ضرورية في طريق الإصلاح ، كما يقول وهيب بن الورد : ( إن من صلاح نفسي ، علمي بفسادها ، وكفى بالمؤمن من الشر أن يعرف فساداً لا يصلحه )
إن هذه النفس لها ميول وتطلعـات ومطالب ، والذي خـلقها ـ سبحانـه وتعالى ـ اقـتـضت حكمته وسنته في خلقه ألا تستقيم هذه النفس ، ولا تنضبط إلا إذا سارت على طريق مدروس ، وضعه من له علم بخفايا هذه النفس وأسرارها .
والمستهدف من معرفة الإنسان لنفسه أن يقف على عجزه وضعفه وجهله ، وأن يشعر بافتقاره إلى كل ما يقيمه ويصلحه ، فيتيقن حاجته لربه . كما أنه بمعرفة نفسه ، وحقيقتها من حب للفجور والظهور ، والطغيان والغلو ، يدرك أنها لو تركت لما أقبلت على أي طاعة ، وما تركت أي معصية .
( فإن عَرف منها ما تُجِنُّ ، وتصور منها ما تُكِنُّ ، ولم يطاوعها فيما تحب إذا كان غـيّا ، ولا صرف عنها ما تكره إذا كان راشدا ، فقد مَلَكَهَا بعد أن كان مُلْكِهَا ، وغَـلَبَهَا بعد أن كان في غُـلْبِهَا )
والمستهدف من معرفة الإنسان لنفسه أن يعرف ما تسعى إليه ، للحصول على حظوظها وشهواتها ، وأن يعرف حماقتها ورعونتها وجهلها ، وأنها أمارة بالسوء ، فلو ترك لها الزمام ، وأُحسِن بها الظن كان حتفها وهلاكها ..
يقول الإمام أبو حامد الغزالي : ( اعلم أن أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك ، وقد خلقت أمارة بالسوء ، ميّالة إلى الشر ، فرارة من الخير ، وأمرتَ بتزكيتها وتقويمها وقودها بسلاسل القهر إلى عبادة ربها وخالقها ، ومنعها من شهواتها ، وفطامها عن لذاتها ، فإن أهملتها جمحت وشردت ، ولم تظفر بها بعد ذلك )
يقول الإمام ابن القيم : ( ويفيد نظره إليها ـ إلى النفس ـ أموراً منها : أن يعرف أنها جاهلة ظالمة ، وأن الجهل والظلم يُصْدِرُ عنها كل شيء قبيح ..... )
وقال يحيى بن معاذ : ( من سعادة المرء أن يكون خصمه فَهِماً وخصمي لا فهم له قيل له : فمن خصمك ؟ قال : خصمي نفسي ، لا فهم لها ، تبيع الجنة بما فيها من النعيم المقيم والخلود فيها ، بشهوة ساعة في دار الدنيا )
ولذلك كانت وصيتهم لنا أن نعرف أنفسنا ، كان سفيان الثوري يقول : ( إذا عـرفت نفسك ، لم يضـرك ما قـال الـنـاس ) وكان سفيان بن عيينة يقول : ( ليس يضر المدح من عرف نفسه )
فلا يضرك ما قال الناس لك ما دمت تعرف أنت نفسك ، فتزكية الناس لك ما هي إلا شباك نصبها الشيطان ، ولكن كل منّا أدرى بعيوب نفسه التي سترها الله عن أعين الناس .
وكان عون بن عبد الله يقول : ( إذا عصتك نفسك فيما كرهت ، فلا تطعها فيما أحبت ، ولا يغرنك ثناء من جهل أمرك )
وكان دعاؤهم الدائم كما يقول يوسف بن أسباط : ( اللهم عـرّفني نفسي ، ولا تقـطع رجاءك من قلبي )
فإن في النفس من الأسرار والخفايا ما لا يكشفه سوى عون من الله لنا ، فإن معرفتها كما يقول سهل التستري : ( معرفة النفس أخفى من معرفة العدو )
أي أن عيوبها تتستر وتموه أمرها كما يتستر العدو ويخادع ، ولكنه خفاء لابد من اقتحامه واستجلائه إذا أردنا تزكية النفوس .
والمستهدف أن تفهم أن لك نفساً واحدةً ، يجب عليك رعايتها ، فليس هناك مجال لأن تُــعْـوّض بغيرها ، يقول أبو حفص الجزري : ( كتب أبو الأبيض إلى بعض إخوانه أما بعد ، فإنك لم تكلف من الدنيا إلا نفسا واحدة ، فإن أنت أصلحتها لم يضرك إفساد من فسد بصلاحها ، وإن أنت أفسدتها ، لم يضرك صلاح من صلح بفسادها واعلم أنك لن تسلم من الدنيا حتى لا تبالي من أكلها من أحمر أو أسود )
والمستهدف من التربية على معرفة النفس عند التابعين أيضا ، أن يعرف كل منَّا أصله الذي خلق منه ، وهو التراب الذي يمشي عليه ، وأن بداية خلقه نطفة ، لو نظرها بعينه لتقزز ، ومن هنا وجب عليه ألا يأخذه الغرور والكبر والفجور .
مر المهلب بن أبي صفرة على مالك بن دينار يتبختر في مشيته ، فقال له مالك : أما علمت أن هذه المشية تكره إلا بين الصفين ؟ فقال له المهلب : أمـا تعـرفني ؟ فقال له مالك : أعرفك أحسن المعرفة ، قال : وما تعرف مني ؟ قال : أما أولك فنطفة مذرة ، وأما آخرك فجيفة قذرة ، وأنت بينهما تحمل العذرة ، فقال المهلب : الآن عرفتني حق المعرفة )
وهذا بكر الشبلي يوقظنا أن نفطن لمعرفة النفس بهذه الصورة والكيفية ، فيقول :
( إذا أردت أن تنظر إلى الدنيا بحـذافـيرها فـانظر إلى مزبلة فهي الدنيا ، وإذا أردت أن تنظر إلى نفسك ، فخذ كفا من تراب ، فإنـك منه خلقت ، وفيه تعود ، ومنه تخرج ، وإذا أردت أن تنظر من أنت ، فانظر ماذا يخرج منك في دخولك الخلاء ، فمن كان حاله كذلك فلا يجوز له أن يتطاول أو يتكبر ) فإذا شمخت بأنفك فعد و تفكر ما تحمل في بطنك .
ومن المستهدف لمعرفة النفس أيضا ما لمحه أبو الفرج بن الجوزي ، فلفت الأنظار إليه ، وهو أن نعرف قدر هذه النفس عند الله : ( ويحك لو عرفت قدر نفسك ما أهنتها بالمعاصي ، إنما أَبْـعَـدْنَا إبليسَ لأنه لم يسجد لك ، فيا للعجب كيف صالحته وهجرتنا )
والمؤمن يعرف قدر نفسه ، في غير كبر ولا عجب ولا غرور .... صانها عن الرزائل ، وحفظها من أن تهان ، ونزهها عن دنايا الأمور وسفاسفها في السر والعلن ، وجنبها مواطن الذل ، بأن يحمّلها ما لا تطيق ، أو يضعها فيما لا يليق بقدرها ، فتبقى نفسه في حصن حصين ، وعز منيع ، لا تعطي الدنية ، ولا ترضى بالنقص ، ولا تقنع بالدون .
فـاللهــم عـــرفـني نـفــسي ، ولا تـقـطـع رجـاءك مــن قـلـبـي .
أختكم فى الله
أمانى صلاح الدين


توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟