
2010-07-11, 8:08 PM
|
4- مُضاعَفةُ الحسَناتِ دونَ السيّئات :
ومن رحمتِهِ تعالى أنّه يُضاعِفُ أجرَ الأعمالِ الصالحة { إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ } [التغابن : 17] .
وأقلُّ ما تُضاعَفُ بِهِ الحسنةُ عشَرةُ أضعاف { مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [الأنعام : 160] . أمّا السيّئةُ فلا تُجزَىٰ إلا مثلَها { وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا } [ الأنعام : 160 ] . وهذا مُقتضَىٰ عدلُهُ تبارك وتعالى .
وقد روى الحاكمُ في مستدرَكِه ، وأحمدُ في مُسنَدِه بإسنادٍ حسنٍ عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال : حدثَنا الصادقُ المصدوقُ فيما يرويه ِعن ربه تبارك وتعالى أنه قال : « الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا أَوْ أَزِيدُ وَالسَّيِّئَةُ بِوَاحِدَةٍ أَوْ أَغْفِر ، وَلَوْ لَقِيتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا مَالَمْ تُشْرِكْ بِي لَقِيتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَة » .
ومن الأعمال التي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنها تضاعف عشرة أضعاف قراءةُ القرآن ، ففي الحديث الذي يرويه الترمذي والدارمي بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَة، والحسنةُ بِعَشْرِ أَمثالِها . لا أَقُولُ : { الم } حَرْف ،ولكِن أَلِفٌ حَرْف . ولامٌ حَرْف . ومِيمٌ حَـرْف » . قال الترمذيّ : هذا حديثٌ حسنٌ صحيح . غريب إسنادًا ، وصَحَّحَهُ الألبانيّ في صحيحِ الترغيبِ والترهيب .
وأخبرَنا رسولُنا صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ أيضًا أنَّ الذِّكرَ يُضاعَفُ عشرةَ أضعاف ، ففي سننِ الترمذيِّ والنَّسائِيِّ وأبي داودَ عن عبدِ اللهِ بن عمرو بن العاصِ رضي الله عنهُما أنَّ رسولَ اللهِ صلىٰ اللهُ عليهِ وسلّمَ قال : « خُلَّتانِ لا يُحصِيهُما رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلا دَخَلَ الجنَّة ، وهما يسِيرٌ ، ومن يَعْمَلْ بهما قلِيل : يُسَبِّحُ اللهَ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ عشرًا ، ويُحْمَدُهُ عشرًا ، ويُكَبِّرُهُ عشرًا » ، فلقد رأيتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ يَعقِدُها بيده ، قال : فلك خمسون ومائة باللسان ، وألف وخمسمائة في الميزان ، وإذا أخذت مضجعك تسبحه وتكبره وتحمده مائة ، فتلك مائة باللسان ، وألف في الميزان ، فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة ؟ قالوا : فكيف لانحصيها ؟ قال : « يأتي أحدكم الشيطان وهو في صلاته ، فيقول : اذكر كذا ، اذكر كذا ، حتى ينفتل ، فلعله لا يفعل ، ويأتيه وهو في مضجعه ، فلا يزال ينومه حتى ينام » ) ، أخرجه الترمذي والنسائي ، وصححه الألباني .
وفي رواية أبي داود بعد قوله : « في الميزان » الأولى ، قال : ( ويكبر أربعًا وثلاثين إذا أخذ مضجعه ، ويحمد ثلاثًا وثلاثين ، ويسبح ثلاثًا وثلاثين ، فذلك مائة باللسان ، وألف في الميزان ، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده ، قالوا : يا رسول الله ، كيف هما يسيرٌ ومن يعمل بهما قليل؟ قال : « يأتي أحدَكَمُ الشيطانُ في منامه ، فينومه قبل أن يقوله ، ويأتيه في صلاته فيذكره حاجته قبل أن يقولـها » ) .
ولقد حدَّثَنا رسولُنا صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء الذي يرويه البخاريُّ وغيرُه عن تردده صلى الله عليه وسلم بين ربه وموسى ، حيث كان يشير عليه موسى في كل مرة أن يرجع إلى ربه ، فيسألُهُ أن يخفف عنه من الصلاة ، حتى أصبحت خمسًا بعد أن كانت خمسين .. وقال في ختام ذلك : « قال الجبار تبارك وتعالى : إنه لا يُبَدَّلُ القولُ لديّ ، كما فرضتُ عليك في أم الكتاب ، فكلُّ حسنةٍ بعشرةِ أمثالِها ، فهي خمسونَ في أم الكتاب ، وهي خمسٌ عليك ، فرجع إلى موسى . فقال : كيف فعلت؟ قال : خُفِّفَتْ عنّا ، أعطانا بكل حسنةٍ عشرةَ أمثالِها » .
وقد يُضاعفُها أكثرَ من ذلك ، وقد تصل المضاعفة إلى سبعمائة ضعف ، وأكثرَ من ذلك ، ومن ذلك أجرُ المنفقِ في سبيل الله ، قال تعالى : { مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ البقرة : 261 ] ، قال ابن كثير : " هذا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ لمضاعفةِ الثوابِ لمن أنفقَ في سبيلِهِ وابتغاءَ مرضاته ، وأنّ الحسنةَ تُضاعَفُ بعشرةِ أمثالِها إلى سبعمائة ضعف ، فقال :{ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ } [ البقرة : 261 ]" ، قال سعيدٌ بن جبير : " يعني في طاعة الله" ، وقال مكحول : " يعني به الإنفاقَ في الجهاد من رباط الخيل وإعدادَ السلاح وغير ذلك " . وعن ابن عباس : " الجهادُ والحجُّ يُضاعَفُ الدرهمُ فيها إلى سبعمائةِ ضعف ".
|