الرسول صلى الله عليه وسلم في خمس كلمات
كأني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحامل على نفسه ويصعد بمشقة وهو يتنهد من الإعياء ويتصبب عرقاً من الجهد ثم يجلس هناك في غار حراء حيث لا أنيس ولا صاحب - الليالي ذوات العدد- من أجل ماذا؟
من أجل أن يتعبد الله في ثقب من الجبل في جنح الظلام لوحده! ما معنى أن يتعبد الله في جبل؟
أليست روحانية الكعبة أكثر أسراً لقلوب المتعبدين؟
أوليست جموع الطائفين أروى لظمأ المتألهين؟ فلماذا الغار إذاً؟وما سر ذلك؟
السر هو الانفراد بالنفس، والخلوة بها بعيداً عن صخب المدينة ومصاعب الحياة وشبكة العلاقات الاجتماعية التي ما تزال تسير بالمرء في دولاب مستمر لا ينقضي إلا بانقضائه! فتجده يلهو بها عن نداء ذاته وطموح نفسه؛ وفي هذا الحدث وقفتين: الأولى: رغم سعة دائرة العلاقات الاجتماعية عند النبي الكريم فهو يصل الرحم، ويكسب المعدوم، ويقري الضيف، ويحمل الكل، ويعين على نوائب الحق إلا أنه جعل لنفسه وقتاً يلتفت فيه لذاته لبنائها والاهتمام بها ومن هنا يظهر خطأ من يذوب في مشاغل الحياة فلا يجد وقتاً للقراءة أو للعبادة أو لاكتساب مهارة أو لتطوير ذاته أو لمحاسبة نفسه بحجة كثرة العلاقات والمسؤوليات ولو كانت من أجل الدعوة.
الثانية: في فلك الأسرة فالرسول خلا بنفسه حتى من زوجه خديجة -وهو يحبها- ومكث في الغار لوحده كي تتعلم الزوجات أن لا تفترض في الزوج أن يكون تحت عينيها دائماً، وأن تعلم أيضاً أن راحة الزوج أحياناً في التفاته إلى نفسه بعيداً عنها فلا تغضب من ذلك أو تظن أن وهج المودة قد انطفأ بل عليها أن توفر له البيئة المناسبة كما كانت خديجة تزود رسول الله إذا ذهب للغار!
أ.محمد العبدالهادي