ثالثا: في إطار تفسير السماء بالسماوات العلا
فإن رزق السماء يتمثل في قرار الرزاق ذي القوة المتين, فقد ثبت أن كوننا قد نتج عن عملية انفجار عظيم, وأنه من طبيعة الانفجار أنه يؤدي إلي تناثر المادة وبعثرتها, ولكن انفجارا يؤدي إلي بناء كون بهذه الضخامة في الابعاد, وفي تعدد الاجرام وفي احكام الاحجام, والكتل والمدارات, والحركات والعلاقات المتبادلة من مثل التجاذب, وتبادل المادة فيما بينها هو انفجار لابد, وأن يكون قد تم بتقدير عظيم, من خالق عظيم له من صفات الكمال والجمال والجلال ما مكنه من إبداع هذا الخلق بعلمه وحكمته وقدرته, وهذا الخالق العظيم لابد, وأن يكون مغايرا لكل خلقه فلا يحده المكان, ولا الزمان, ولا تشكله المادة ولا الطاقة, لأنه( تعالي) خالق كل ذلك ومبدعه, هذا الخالق العظيم فوق كل خلقه: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير*( الشوري:11)
يدبر أمر هذا الكون في كل صغيرة وكبيرة, ومن ذلك توزيع الأرزاق علي العباد, فمن الأسماء الحسني لهذا الخالق العظيم البارئ المصور نجد اسم( الوهاب) أي صاحب الهبات والعطايا الخالية عن الأعواض والأغراض, كما نجد أسم( الرزاق) أي خالق الأرزاق والمرزوقين, وموصل الأرزاق اليهم وخالق الأسباب التي تمكنهم من التمتع بها.
وباقي أسمائه الحسني( سبحانه وتعالي) تحمل شيئا من تلك المعاني والصفات الربانية ومنها:اسم( الفتاح) وهو الذي بيده مفاتيح الغيب والرزق, ومفاتيح كل منغلق ومشكل, واسما( القابض) و(الباسط) ومن معانيهما فيض الرزق حتي لا يبقي طاقة, وبسطه حتي لا يبقي فاقه, كما يقبض القلوب والأرواح ويبسطهما كيف يشاء, واسما( المعز)( المذل) الذي يؤتي الملك من يشاء, وينزعه ممن يشاء, والملك من الرزق, والملك الحقيقي يكمن في الخلاص من ذل الحاجة, وقهر الشهوة, وعبء الجهل, واسم( المقيت) ومن معانيه خالق الأقوات وواهبها. و(الكريم) ومن معانيه المعطاء زيادة علي منتهي الرجاء, و(المجيب) ومن معانيه مقابلة مسألة السائلين بالاجابة و(الواسع) ومن معانيه ذو السعة المطلقة من العلم والخير والاحسان وبسط النعم, و(الودود) ومن معانيه الانعام علي سبيل الابتداء بمحبة ورأفة, و(البر) وهو المحسن المتفضل بكل بر وإحسان, و(مالك الملك) أي صاحب المشيئة النافذة, والإرادة الغالبة.
وخلاصة ذلك أن قرار توزيع الأرزاق علي العباد يصدره ربنا( تبارك وتعالي) في علاه فتنزل به الملائكة إلي الأرض تصديقا لقول المصطفي( صلي الله عليه وسلم): إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة, ثم يكون علقة مثل ذلك, ثم يكون مضغة مثل ذلك, ثم يرسل إليه الملك, فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه, وأجله, وعمله, وشقي أو سعيد....
وصدق الله العظيم الذي أنزل من فوق سبع سماوات ومن قبل أربعة عشر قرنا قوله الحق:
{وفي السماء رزقكم وما توعدون}