تكسر حلم
نورة عبدالعزيز العقيل
صعِدْتُ بفكري إلى سماء الذاكرة، أَلقيت نظرةً فاحصةً، ثم تمْتَمتُ أَعُدُّ السنين الماضية، فتأوَّهت؛ خِلْت أن الزَّمَن يَدْمل الجِراح، آه، ثم تَعُود للانكفاء إلى الداخل؛ لترْفَع بقايا الأمْسِ وتستعِدَّ لتجْهيز فرح المستقبل بَعدما وَطِئَت قدَمِي حُلمي الذي كَبر معي منذ بدأتُ أَنقُشُه في زمن طفولتي.
ها أنا أَراه، وشَرِيك الحياة يُعاضدني في بنائه، آه ما أجملَ الحَصاد بعد جهد جهيد!
لكنْ صفعَتْني بقولها:
• أحمد الله أنْ رأيْتُ هذا الصَّرح قائمًا، وها أنتِ تَنْتقِينَ أثاثَه، وتُبَعْثرين التُّحَف في كل زَواياه.
ثم دَنَتْ منِّي واستطردَت:
• يحقُّ لكِ أن تَلبسي وِشاح الفرح وتَرقصي زهْوًا؛ فهَا هو الحُلم أصبح حقيقةً.
• نعم! شَهقْتُ، وتمنَّيت.
قلتُ لها:
• ليتَك لا تعرفين عن حياتي شيئًا، لَعَذرْتُك، ولكنْ لإِطْرائك صدًى.
• وآه، أتَعْلمين؟ إنَّي أتمنَّى أن يَعكس الزَّمن مَسارَه، ويتعدَّى محطَّات الماضي؛ لِيعود بي إلى بيتي الصغير، مَملكتي الخاصة بالقرب مِن مَسجده؛ كنتُ أميرةً، وكان هو الوزيرَ، وكان الرَّغد يُعانِق السَّعادة، رغْم شظَفِ العيش، وكِسْرة الخُبز التي نَلُوكها في المساء.
• كانت الحياةُ حلوةً؛ لأنه بِقُربي، وكنَّا نرسم خطوط المستقبل، ونكتب أهدافه.
هزَّت برأسها استعجابًا، وكأنَّ الحزْن أعَارها مَسْحةً منه، وَقْتئذٍ رأَتْ دَمعاتي تُعانِق وَجْنتَيَّ، لم أستطع إبقاءها في المُقلتين!
سحبَتْ صديقتي نفْسَها بعدَما أيقنَتْ أنَّ الماضي يَطوي مِلفَّاتٍ صفراءَ، تَعْبَق بعبيرٍ وشَذًى نَفِيس، لم تَستطع حضارةُ الحاضر الارتقاءَ إليه رغم تَطاوُل البُروج الضَّخمة والمُقْتنيات المتنوِّعة.