الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
كنت ظهر الاثنين مدعوا للغداء عند أحد أعيان مدينة الرياض وأحد القامات الباسقة التي تقلدت العديد من المناصب القيادية في الدولة؛ وهو الأستاذ حسن بن سعيّد في مزرعة له، وقد كانت على شرف الدكتور محمد الهاشمي وفقه الله، صاحب قناة المستقلة.
وقبيل حضور الدكتور محمد الهاشمي، عرف بي الأستاذ حسن ، وأحب أن يطرح الحاضرون علي تساؤلاتهم، فكان أول تساؤل من أحد أعضاء هيئة التدريس في جامعة الإمام، قال لي أنتم- ويقصد المعبرين تسببون الخوف والهلع والقلق لدى من تفسرون لهم إذا أفزعتموهم بالموت أو الطلاق أو خلافه !
فتشجع آخر وهو أستاذ في جامعة الملك سعود وقال، صحيح أرى أن تغلق كل البرامج التي تفسر الأحلام فليس هناك رؤيا حاليا بل أحلام، وليس هناك مفسرون الآن ولا أعترف إلا بيوسف فقط ومحمد !
وهنا تكلم الأستاذ الدكتور محمد الربيع وفقه الله وبارك فيه وقال قولا منصفا، فقد قال دعونا نسمع وجهة النظر الصحيحة من صاحب برنامج الأحلام ومن الدكتور فهد نفسه، فأنتم طرحتم وجهة نظركم فدعونا نسمع وجهة نظره، وهكذا يكون الحوار موضوعيا وعلميا، فشكرتهم وخصيت الدكتور محمد الربيع بالشكر والثناء على إعطائي الفرصة، فقلت:
أنا معكم إذا كرهتم منهج مفسر هنا أو هناك إذا خالف المنهج النبوي في التعبير والذي يقوم على التفاؤل، وليس التشاؤم، وأنا لا أعبر الرؤيا إلا على الخير، فإن لم يكن للرؤيا وجه على الخير، فأطلب من صاحبها الاحتراز.
ثم إن وجهة النظر بأن ليس هناك معبرون بعد يوسف أو بعد محمد صلى الله عليهم وسلم غير صحيحة بدليل وجود من برع من الصحابة من بعدهم.
فقال لي أحدهم هؤلاء ملهمون، فقلت من يعبر الرؤى فقد يعبرها وحيا كالأنبياء، وقد يعبرها فراسة كأبي بكر وقد يعبرها إلهاما كعمر، وسقت الأدلة على ذلك من صحيح السنة، وقد يعبرها من خلال تعلمه، فقد ورد أن عمر بن الخطاب تعلم التعبير على أسماء بنت عميس، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه التعبير أحيانا ويعبرون أمامه ويصوب لهم ويخطئهم، وهذا دليل على إمكانية التعلم والتعليم، فهذه النقطة انتهينا منها.
وأما عتبك على القنوات الفضائية وليه سمحت بهذه البرامج، فقلت لهم القنوات ربحية في الأساس وتبحث عن البرامج التي تجلب لها المنتجين والداعمين، وإذا وجد من يقوم بأداء برامج عن تفسير الأحلام وفق منهج شرعي، فما المشكلة؟
فقال لي دكتور من أين جاء هؤلاء المعبرون، نحن لا نعرف إلا واحد أو اثنين؟
فقلت اليوم العالم صار قرية صغيرة، والقنوات الفضائية أظهرت العديد من المواهب في اللغة والشعر، والشعر مثلا هل كنتم ترون الكثير من الشعراء، والاقتصاديين هل كنتم تعرفون اقتصاديين؟ أو كنتم حتى تعرفون محللين رياضيين، كل هؤلاء كانوا ندرة فلم لم تسلطوا سهام نقدكم عليهم ؟
فقال لي واحد من الجالسين أنا أرى أنه لا يوجد أي حلم يدل على المستقبل، وكل ما يراه الإنسان من الماضي الذي اختزل في العقل الباطن !
فقلت له غير صحيح وما يراه الإنسان قد يكون من الماضي ومن الحاضر أو المستقبل، وسقت له أدلة من السنة ومن الواقع على صدق وجهة نظري، وضربت لهم مثالا بقصة حدثت لي مع الدكتور محمد العريفي، وأني فسرت له رؤيا مستقبلية حدثت له ولم يكن يتوقعها أبدا.
قال لي واحد أنا لا يمكن أن أحلم ليه ما أدري؟
وقال الآخر أنا أصلا لا أفسر حلمي أبدا، فقلت له ليه ؟
فقال أنا أعرف أن المعبرين قد يفجعونك بتعبير ولذا فأنا أحب أحتفظ بأحلامي فضحكت كثيرا، وقلت أخي الحبيب ليست مشكلتي أنك وقعت في معبر ذي منهج سيء أو ليس له منهج أو يعبر الأحلام بدون تخصص، فكون لديك وجهة نظر سيئة عن المعبرين فأنا حين يخطئ أحد الأطباء في علاجي لا أنتقد الطب كله أو كل الأطباء، بل أقول هذا الطبيب أخطأ، وحين يخطئ محلل في سوق الأسهم وأخسر لاتباعي كلامه، لا أنقم على السوق جميعه أو أرمي بالتهم على كل المحللين الماليين، فأنا من أتحمل الخطأ لكوني لم أعرف إلى أين أذهب بفتواي أو سؤالي ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقصص رؤيتك إلا على واد أو عالم أو ناصح، وهكذا نبي الله يعقوب قال لابنه يوسف لا تقصص رؤياك على إخوتك، وذكر السبب: فيكيدوا لك كيدا، وأنت حين تعبر الرؤيا فقد تقع وقد تقع دون تعبيرك لها، ولكن المعبر الموفق يحاول ما استطاع أن يوقعها على أحسن المعاني ويعبرها بأحسن الألفاظ .
وأما من يقول إنه لا يحلم فهذا قد يرجع للذاكرة أو لدرجة النوم وشرحت لهم أن النائم له أربع درجات تقريبا، فالنائم من أصحاب الدرجة الأولى يشبه اليقظان، وهذا لا ينسى رؤيته غالبا، والذي في الدرجة الرابعة يشبه الميت وهذا لا يتذكر رؤاه غالبا، فهل فهمت الآن؟
وسألني أحدهم عن مدرسة التحليل النفسي وصاحبها فرويد، فبينت له معنى هذه الوجهة ووجهته للسبب الذي يجعلنا كمسلمين نرفضها، فصاحبها يقول إنه لا يوجد أبدا إلا رغبات مكبوتة لدى الشخص وهذه الرغبات لايستطيع صاحبها أن يفعلها في اليقظة فيراها بالأحلام ويفعلها ويضرب أمثلة بالجنس، فوضحت له وجهة النظر، ثم بينت له أن فرويد هذا في آخر حياته قال بإمكانية وجود أحلام تنبؤية وهي المستقبلية التي يرفضها بعضكم الآن.
فقال لي صاحب وجهة النظر تلك لا والله أنا الآن تغيرت وجهة نظري 100%، وعرفت أن الرؤيا قد تقع وقد لا تقع وأنه يوجد من يعبر الرؤى وهو على غير هدى، ويوجد الجيد والرديء، فقلت له لكن هل سأفعل مع كل مخالف لنا ما فعلته معكم ؟
جاء في هذه الأثناء الدكتور محمد الهاشمي، وبعد السلام والتحية، ابتدأ حوار مفتوح معه، وبدأت الأسئلة عليه فكان أول نقد وجه إليه ومن نفس الإخوان الذين انتقدوا تعبير الأحلام قبل قليل! :
لماذا تثيرون قضايا قديمة كالحديث عن الصحابة، وتخصيص حلقات لكل واحد منهم؟
ولماذا لا تثيرون قضايا حديثة؟
وماذا تفيدون من النقاش عن السنة والشيعة......؟؟؟؟؟ وحجتهم أننا بهذا الوقت الآن بحاجة لتقريب وجهات النظر لا التباعد، وظهرت على وجه الدكتور الهاشمي الدهشة وبدأ يدافع عن وجهة نظره وكيف أن هذه البرامج وجدت الثناء والرضى من أعلى المستويات وكيف توضح لكثر من الذين لهم مناهج خاطئة عن الصحابة شناعة خطئهم، وأن كثيرا ممن كان يسب الصحابة تراجع بحمد الله عن نهجه، ووضح أن القناة فيها كثير من البرامج العصرية لمن لا يريد مشاهدة هذه البرامج، وكلام كثير قاله يحفظه الله لهؤلاء، وأنا أراقبه وأكبره؛ كان بيت شعر يدور في صدري لمن كانوا يسلون سيوفهم، ويسلطون السهام تلو السهام:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكموا***** وإلا فسدوا المكان الذي سدوا
وفي نهاية الحفلة شكرت المستضيف والضيوف، ثم جاء شخص متأخر جدا ولكنه لم يكن مدعوا، فلما شاهدني سلم وقال: ليه أكثر من يسألكم عن الأحلام من النساء؟
وما قصة تعبيرك رؤيا المهدي ؟؟ فقلت لحظة لحظة، ستجد أجوبة أسئلتك لدى هذه الثلة من الصفوة، وضحك الحاضرون، وأسرعت لسيارتي.