من أخبار ذوي الحلم
ووقف رجلٌ عليه مُقطّعات على الأحنف بن قيس يسبه، وكان عمرو بن الأهتم جعل له ألف درهم على أن يُسفّه الأحنف ، فجعل لا يألو أن يسبه سبًا يُغضِب، والأحنف مُطْرقٌ صامت. فلما رآه لا يكلمه أقبل الرجل يعضّ أبهاميه ، ويقول : يا سواتاه ، والله ما يمنعه من جوابي إلا هواني عليه.
وفعل ذلك آخر ، فأمسك عنه الأحنف ،فأكثر الرجل إلى أن أراد الأحنف القيام للغداء ، فأقبل على الرجل ،فقال له : يا هذا إن غداءنا قد حضر ، فانهض بنا إليه إن شئت ، فإنك مُذ اليوم تحدو بجملٍ ثقّالٍ . والثقّال من الإبل : البطيء الثقيل الذي لا يكاد ينبعث.
وعدّت على الأحنف سقطة في هذا الباب ، وهو أن عمرو بن الأهتم دسّ إليه رجلًا ليسفّهه ، فقال له : أبا بحر،ما كان أبوك في قومه؟ قال : كان أوسطهم لم يسُدْهم ولم يتخلف عنهم ، فرجع إليه ثانية ، ففطن الأحنف أنه من قِبَل عمرو فقال : ما كان مال أبيك ؟ فقال : كانت له صِرمة يمنح منها ويَقري ولم يكُ أهتم سلّاحا .
وقال رجل لرجل من آل الزبير كلامًا أقذع له فيه فأغرض الزبيري عنه ثم دار كلام فسبّ الزبيري علي بن الحسين فأعرض عنه ، فقال له الزبيري : ما منعك من جوابي ؟ فقال عليّ : ما منعك من جواب الرجل.
وقد رُوي قول القائل : لم قلتَ واحدةً لسمعت عشرًا ، فقال له الرجل : ولكنك لو قلتَ عشرًا ما سمعت واحدة. وقال الشاعر :
ولقد أمرّ على اللئيم يسبني فأجوز ثم أقول لا يعنيني
وقال رجل لرجل وسبّه فلم يلتفت إليه : إيّاك أعني . فقال له الرجل : وعنك أعرض .
فأما قول الشعبي للرجل ما قال ، فمن غير هذا الباب ، وإنما مخرَجُهُ الديانة، وذاك أن رجلًا سب الشعبي بأمور قبيحة نسبه إليها ‘ فقال الشعبي : إن كنت كاذبًا فغفر الله لك ، وإن كنت صادقًا فغفر الله لي.
وقال أبو العباس : قال رجل لأبي بكر الصديق رحمه الله : لأسبّنّك سبًا يدخل معك قبرك، فقال : رأيت رجلًا على بغلة لم أر أحسن وجهًا ، ولا أحسن لباسًا ، ولا أفْرَه مَركَبًا منه ، فسألت عنه ، فقيل : الحسن بن علي بن أبي طالب . فامتلأت له بغضًا ، فصِرتُ إليه ، فقلت : أأنت ابن أبي طالب ؟ فقال : أنا ابن ابنه، فقلت له : فيك وبك وبأبيك ، أسبّهما . فقا : أُحسِبُك غريبًا ،قلت : أجل ،فقال : إن لنا منزلًا واسعًا ، ومعونةً على الحاجة ، ومالًا نُواسي منه ، فانطلقت وما أجد على وجه الأرض أحب إليّ منه.
شكرا لكم على تصفحكم اتمنى أن تجدوا لنقلي هذا فائدة، وبارك الله فيكم.