{ تنبيهُ الأنامِ لما في الأذانِ من أخطاءَ وأوهامْ }
حمل نسخة منسقة على هيئة مطوية
كَـتَـبَــهُ : أبُو هَمَّـامٍ السَّـعدِيِّ .
راجـعـه : نخبة من المشايخ الفضلاء .
( الأَذَانُ )
الأذانُ والإقامةُ من شعائرِ الإسلامِ التعبديَّة الظاهرةِ، المعلومةِ من الدينِ بالضَّرورةِ بالنصِّ وإجماعِ المسلمينَ، ولهذا فالأذانُ من العلاماتِ الفارقةِ بَينَ بلادِ الإسلامِ وبلادِ الكُفرِ، وتوارَثَ الأجيالُ على مدِّ العصورِ من قديمٍ على فعلِه, كما حُكي الاتِّفاقُ على أنه لو اتفق أهلُ بلدٍ على ترْكهما لقُوتلوا. قال الشيخ الحنبلي مراد شكري في نونيتِهِ :
إن الأذان كما الإقامةِ لازمٌ *** أهل القرَى للخمس والبلدانِ
كما قد شُرع الأذانُ في السنةِ الأولَى مِن الهجرةِ, لذا أحببت وضع تنبيهات مهمَّة مقتبسةٍ من كلام العلماء المتقدمين والمعاصرين لما رأيت من العجب الكبير الذي يفعله المؤذنون, ثم ذكرتُ بعض الأحاديث الواردة في فضله, وإن لم أوافِ حق الأذان من أدلة ومسائل وأقاويل للفقهاء –رحمهم الله- وتعريفاتهم, لكن أردت بهذا العمل (مذكرةً) لتذكير إخواني المؤذنين بتأذينهم الذي قد يوصل إلى البطلان .
( شُروطُ الأذانِ والمؤذِّن)
1- أن يكون عالماً بدخولِ الوقتِ, فلا يصح الأذانُ قبلَه أو بعدَه, لأنَّ الأذانَ بمعنى الإعلام , أيْ : إعلامُ الناسِ أنَّ الوقتَ قد دخلَ . ولا بأسَ بالعمل (بالتقويمات) لأنها مبنيّةٌ على العلمِ والنظرِ, فتكون بمنـزلةِ المخبر, ما لم يثْبتْ تقديمُها الأذانَ كما في بعض الدولِ. قال الشيخ الألباني –رحمه الله- بعد بيانه تفريط الناس في وقت أذانهم وربطهم بمواقيت ملزمة قد تكون خاطئة, وسببه "الجهل" : لعل من كان يملك أذانه من المؤذنين، ومن كان من الحكام الغيورين على أحكام الدين يهتمون بالمؤذنين وتوجيههم أحكام دينهم وأذانهم، ويمكنونهم من أداء الأمانة التي أنيطت بهم، وهم يعلمون قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". الصحيحية (15/16) .
2- وجودُ النـيَّة, فلا يصح من الصبيِّ غير المميّز, والمجنونِ والسكرانِ .
3- أن يكونَ ذكراً, لأنه ليسَ على المرأةِ أن تُؤذن على الصَّحيح, لأنَّ ذلك لم يُعهد إسنادُه إليها ولا تَولّيها إياهُ زمنَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ولا في زمنِ الخلفَاءِ الراشدينَ -رضي الله عنهم-, وهو ليس من أعمَالها, وأذانهُا لا يُجزئُ عند الجمهور .
4- أن يكون عدلاً أميناً, فقد ثبت "المؤذن مؤتمنٌ", ويكره أذان الفاسق غير المجاهر بفسقه عند شيخ الإسلام. كما أنّ الأولى أن يكون هناك مؤذنٌ راتبٌ مسئولٌ . قال الشيخ الحنبلي مراد شكري جامعاً شروط ما ذكرنا :
مِن مسلم ذكرٍ وعدلٍ عاقلٍ *** ومميّزٍ بل ناطقٍ بلسـانِ
5- عدم التطويل في الأذان والتمطيط والتلحين فلا نعلم له أصلاً، بل السنة أن يؤذن الأذان الشرعي بحيث يكون معتدلاً . قال الشيخ صالح الفوزان:ويستحبُ أن يتمهَّلّ بألفاظ الأذان من غيـر تمطيط ولا مد مفرط.اهـ ولا يستدل جوازه بقوله "أندى صوتا" .
6- الترتيب في الأذان، لأن المقصود منه يختل بعدم الترتيب وهو الإعلام , فإنه إذا لم يكن مرتبا لم يعلم أنه أذان ولأنه شرع في الأصل مرتبا, وعّلمه النبي - صلى الله عليه وسلم- أبا محذورة مرتباً, والترتيب أن يبدأ بالتكبير، ثم التَّشهُّد، ثم الحيعلة، ثم التَّكبير، ثم التَّوحيد، فلو نَكَّسَ لم يجزئ, ووجب الإعادة .
7- الموالاة, حيث إن كلَّ واحد منهما عبادة، فاشترطت الموالاة بين أجزائها كالوُضُوء، فلو كبَّر أربع تكبيرات ثم انصرف وتوضَّأ ثم أتى فأتمَّ الأذان، فإن هذا الأذان لا يصحُّ، بل يجب أن يَبْتَدِئَهُ من جديد . إلا إذا قَصُر الفصل كعارض فإنه لا يلزم الإعادة .
8- وجوده من الشخص بذاته, فلا يصح من مسجّلٍ أو مذياع أو رجال يتناوبونه, وهو ما يعرف "بالموحد" لما فيه من المخالفات الشرعية الكثيرة, ومن البدع المحدثة, منها: أنه قد يُبدأ به وقد صار في نصفِ إذانهِ. ومنها: قد يصحبُه في آخره أو أثنائه أو حينَ ابتدائه بعضاً من الأصوات المحرمة. لذا كانت العبادات توقيفية, فلا يردّ خلفه إنما هو صدى تأذين أمّا الأذان المسجل الذي يذكر بوقت الصلاة لا بأس به. أما إن كان أذاناً شرعياً يُعرف به دخول الوقت، ويؤذن به لجميع الناس، ويكون بديلاً للمؤذن فلا يصح، وليس هو الأذان المطلوب شرعاً. وهذا قرار علمائنا المعاصرين والمجمع الفقهي الإسلامي .
قال الشيخ مراد شكري الحنبلي جامعا ما ذكرنا:
ومرتّباً متوالياً في وقتـه *** من واحدٍ والصوتُ ذو رفعانِ
9- عدم الزيادة أو النقص أو تغيير المعنى المبطل أو المؤثم, وذلك مثل : "حي على خير العمل" و " أشهد أنّ عليا وليّ الله" و بعد الأذان "أقبلوا هداكم الله" وغيرها.
كذلك قول المؤذن "التصبيح" : أصبح ولله الحمد . و"التحضير" : حضرت الصلاة رحمكم الله . و"التأهيب" قبل صلاة الجمعة : الوضوء للصلاة . و"الترقية" بعد الأذان الثاني من يوم الجمعة : إن الله وملائكته... وحديث : إذا قلت لصاحبك أنصت فقد لغوت . و"الترضي" بعد أذان الفجر : رضي الله عليك يا شافعي أو حسين ....ونظمُ بعد الأذان : أمّة خير الأنام . وقل ما شئت من البدع المحدثة (والله المستعان) .
( تَنبِيهَاتٌ ومُستَحَباتٌ قبلَ الأذانِ )
1- أن يكون المؤذن صيّتاً, وذا صوت جميل قال النبي عليه السلام عن أذان بلال "هو أندى صوتاً" وذلك أنَّه أبلغُ في الإعلامِ .
2- يفضّل للمؤذن أن يختار مكانا مناسبا يسمع فيه الناس الأذان ذلك إن لم يكن ثمة ميكرفونات بل في الفيافي والصحاري والقفار أو لافتقار وجود مكبرات صوت, كذا مع وجودها فقد ثبت في الحديث "يغفر للمؤذن مدى صوته" .
3- قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" ( 1/ 248 ):" الْمُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْجَنَابَةِ جَمِيعًا " ويدخل المسجد ولو كان جنباً على القول الراجح .
4- لا يجوز عقد إجارة للتأذين، بأن يستأجرَ شخصاً يؤذِّن أو يُقيم؛ لأنهما قُربة من القُرَب وعبادةٌ من العبادات، والعبادات لا يجوز أخذ الأجرة عليها. أما الجعَالة؛ بأن يقول: من أذَّن في هذا المسجد فله كذا وكذا دُونَ عقدٍ وإلزام فهذه جائزة؛ لأنَّه لا إلزام فيها، فهي كالمكافأة لمن أذَّن، ولا بأس بالمكافأة لمن أذَّن، وكذا الإقامة, لكن إن لم يوجد متطوعونَ فيحلَّ وضع مؤذّن بنفقةِ بيت المال.
5- السنة أن يؤذن المؤذنُ قائماً، كما كان يفعل مؤذنو رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكما سار عليه المسلمون إلى يومنا هذا، وانعقد عليه إجماع الكافة، فإن أذن قاعدا أو مضجعا لغير عذر، صح أذانه مع الكراهة .
6- يتأخر بعضهم عن الأذان إذا كان يوم صومٍ بشغله بأكل وشرب , والناس تنتظر أذانه , فلا يحق له الأكل والشرب كثيراً بحيث يتأخر, أما إن كان يسيراً كشربة ماء, أو كان في الحيّ وحده فيؤخر الأذان , فلا حرج في ذلك .
7- قراءة القرآن في مكبرات الصوت قبُيل الأذان بزمن من البدع المحدثة في هذا الزمان, وهو تشويشٌ وإزعاجٌ . كذلك الأذان على الميت في القبر بدعة محدثة , والأولى : الدعاء له .
8- التعوّذ والبسملة قبل الأذان, فلم تنقل كتب الحديث والآثار أيّ أصل يمكن أن يُعتمد عليه في الحكم بمشروعيته، سواء بالنسبة للمؤذن أو لمن يسمعه، ويتعذر القياس في التعبدات لعدم إدراك العلة الجامعة بين الأصل والفرع، وعليه فلا يشرع ذلك .
9- يستحبُّ أن يكون الأذان في المسجد, والمؤذن هو من يقيم, وحديث "من أذن فليقم" ضعيف الإسناد, ويقيم في موضع أذانـه, ويرفع بصره ووجهه إلى ناحية السماء .
10- قال ابن قدامة في "المغني": وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى أَذَانِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ شَخْصَيْنِ، كَالصَّلَاةِ " انتهى منه بلفظه .