كانت تبكي بحرقه كلما ابتعدت عنها وتتعلّق في ثوبي بقبضة كفيها الصغيرتين ..
كم تؤلمني تلك اللحظه لكنني كنت أربت على ظهرها برفق وأهمس في أذنها : ..
يكفي ياحبيبتي بيلسان سأعود لرؤيتك غداً ... لكنها لا تزال تتشبث بي ..
أخرجت نظارتي وأعطيتها وأنا أقول : خذي هذه وسأعود غداً لرؤيتك ..إتفقنا ..
أمسكت بها بكلتا يديها وهي تنظر إلي بعينيها الدامعتين .. وكأنها تعاتبني ..
كانت ممرضتها الأجنبيه تتأملنا باستغراب .. وهي تقول : يبدو أنها متعلقة بك ..
فأجبتها : وأنا متعلق بها أيضاً .. ثم أخرجت ورقة من جيبي وضعتها في ملفها الطبي
وقلت لممرضتها : لقد تركت رقم هاتفي لديكم .. أرجو أن تتصلوا بي إن احتاجت
بيلسان لأي شيء .. ودعت بيلسان وهي تبكي وخرجت ...
عدت إليها في اليوم التالي .. وقد قررت قراراً بأن أحاول الإتصال بوالديها ..
علّهما يتذكران ابنتهما .. وذلك مافعلته فور خروجي من المستشفى ..
كنت متردداً لكنني عزمت وتوكلت على الله واتصلت .. رد علي أحد إخوتها
الصغار فطلبت والده وبعد لحظات رد علي : نعم .. من معي .. فقلت : معك فيصل
من المستشفى الفلاني .. أردت أن أستفسر عن سبب إمتناعك عن زيارة طفلتك
بيلسان فمنذ قرابة التسعة أشهر لم تزوراها فما السبب .. !!
رد والدها بعصبيه :
تركتها في المستشفى وليس في الشارع ..!! ثم إنها ابنتنا ونحن نملك الحريه
في التعامل معها ولا شأن لك في ذلك .. أثارت كلماته أعصابي .. لكنني حاولت
ضبط نفسي وقلت له : بالتأكيد لن يتدخل أحد بشأنك مع ابنتك لكن من الظلم لها
أن تتركها دون سؤال .. إنها ابنتك وأمانة بين يديك وستسأل عنها أمام الله ...
إتق الله في طفلتك ولا تحرمها حقها الذي فرضه الله عليك .. فقاطعني قائلاً :
لست أنت من يعلمني الحقوق وإن عدت إلى ذلك فلا تلم إلا نفسك وأقفل السماعه ..
رميت هاتفي وأنا مستغرب من وجود آباء بهكذا قلوب .. ياإلهي إنها كالحجر ..
دعوت له بالهدايه وقررت أن أستمر في المحاوله ... كنت أكرر الإتصال بوالدها ..
على فترات ولكنني لم أعد أجد منه أي رد .. كان يقفل الخط بمجرد سماع صوتي ..
تناسيت أمر والدها وانشغلت بزيارتها وتسليتها كل يوم ... بدأت بيلسان تحرك ..
شفتيها بكلمات أكثر ... وكانت تستمتع بترديد اسمي .. فيثل .. وكم كنت أحب سماعه
منها .. وفاجأتني عندما أتيتها يوماً واستقبلتني بفرح وهي تردد : بابا
فيثل .. أسقطت
مافي يدي من هدايا لها ورفعتها بين ذراعي وأنا أقول : يامهجة بابا
يابنيتي بيلسان ..
كنت سعيداً بها و ببريق سعادتها الذي يزداد في عينيها يوماً بعد يوم ..
إلى أن أتى
ذلك الصباح والذي خرجت فيه إلى المستشفى وأنا أشعر بضيق لا أدري ماسببه ..
دخلت إلى غرفة بيلسان وشعرت وكأن كل شيء ساكن .. توجهت إلى سريرها وأنا ..
أردد بيلسان حبيبتي بابا هنا .. قبض قلبي وأنا أراها ساكنه .. أمسكت يدها الصغيره ..
ففتحت عيناها وابتسمت إبتسامة باهته .. إقتربت منها ووضعت يدي على جبهتها
كانت حرارتها مرتفعه .. وتتنفس بسرعه وصعوبه ... قبلت جبهتها وأنا أقول :
بيلسان مابكِ ياعزيزتي هل أنتِ بخير .. !! إبتسمت ورفعت يدها ووضعتها على خدي ..
أحسست بدفئها فأمسكت بها وقبلتها .. أقبلت ممرضتها ورأت معالم القلق على وجهي ..
فشرحت لي أن حالة بيلسان ساءت ليلة البارحة وأنها الآن أفضل ..
نظرت إليها بحزن ..