في قرار مكين !
- - - — - - -
كما أن الجنينَ يكمنُ في قرار مكينٍ ، حيث لا تطلع عليه عين إنسان ،
ولا تسمع صوته أذن مخلوق ، لفترة يتكامل فيها ،
ويشتد عوده ، ثم يخرج إلى دنيا الناس ..
كذلك من أراد أن يحصل المعرفة ، ويبذر في أرض قلبه بذور الحب لربه سبحانه ،
لابد أن يكمنَ في قرار مكين ، لفترة قد تطول وقد تقصر
على حسب حاجات قلبه وروحه ..!
ونعني بهذا أن يكون للإنسان فترات يعتكف فيها ، ويخلو فيها مع الله سبحانه ،
حيث لا تطلع عليه عين إنسان ، وهو مقبل على مولاه في همة وحرارة إخلاص
بألوان من الطاعات والقربات ، تبقي القلب في حالة شد إلى السماء ،
فإن ثمرة ذلك أكيدة وواضحة ، وما انقطع إنسان إلى الله سبحانه بكليته ،
إلا وأكرمه الله تعالى إكراماً خاصا يجد صداه ، ويتذوق بركته ..
( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ..)
وهي على كل حال كما أشرنا آنفاً ،
ليست سوى فترة ينقطع فيها الإنسان إلى ربه بهمته وحرارة إخلاصه ،
واجتماع قلبه ، فإن لم يجد صداها فليعلم أن هناك خللاً ما ،
فيلزمه أن يعيد المحاولة مرتين وثلاثا وعشراً ..
فحاشا ثم حاشا أن تطرق باب الله مخلصا ، ثم هو يردك خائباً ..!!
فهو بهذه الخلوة مع الله يشحن قلبه بأنوار السماء ، ليخرج على الدنيا ،
ويواجه طوفان فتن الدنيا وهو أعلى منها وأرقى ، مستعلٍ عليها ،
مترفعا عنها ، يمر بها كما يمر الكرام على مجالس اللئام ،
إما أن ينكروا عليهم ، وإما أن يعرضوا عنهم!
ابو عبد الرحمن