ثاني اكيد الكربون
كثيراً ما يلصق العلماء أسوأ النعوت بغاز ثاني أوكسيد الكربون ((CO2 لأنه يسبب تسخّن
الأرض· إلا أن بحثاً جديداً أظهر بأن هذا المركّب الملوِّث يمكن أن يكون أقل أذىً وأكثر
فائدة مما نظن·
وبالرغم مما لحق بسمعة هذا الغاز من صيت سيئ، فإن الكيميائيين عثروا مؤخراً على
استخدامات جديدة ومفيدة له وخاصّة من خلال ضغطه الشديد حتى يتحوّل إلى سائل يحمل العديد
من الخصائص المفيدة· وعندما يتعرّض غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى ضغط عال يتحوّل إلى غاز
ذي خصائص استثنائية، من أهمها أنه يتحوّل إلى مذيب ممتاز للعديد من المواد الكيميائية
الأخرى· ويتمّ الحصول على ثاني أوكسيد الكربون من مصادر متعددة (ليس أهمها الهواء لأنه
لايوجد فيه إلا بنسبة ضئيلة) من أهمها عمليات التخمير الصناعية وحرق المشتقات البترولية
الغنية بالكربون وخاصة المازوت أو زيت الديزل (وهذه هي طريقة تحضير ثاني أوكسيد الكربون
المستخدم في صناعة المياه الغازية)· واكتشف العلماء مؤخراً بأن لثاني أوكسيد الكربون
السائل فوائد عظيمة كوسيط لإجراء العمليات الكيميائية الحيوية المستهلكة للطاقة أو ذات
القدرة الكبيرة على تلويث البيئة إلى تفاعلات كيميائية عديمة الضرر·
وبعيداً عن الحقيقة التي تؤكد بأن كل الأحياء القادرة على التنفّس فوق الأرض تطرح غاز
ثاني أوكسيد الكربون مع هواء الزفير، فإن هذا الغاز اكتسب صيته الشائع من كونه السبب
الأساسي لظاهرة تأثير البيت الزجاجي
greenhouse effect التي تتلخّص في أن المعدّل المتزايد لحرق الوقود الأحفوري (مشتقات
النفط والفحم الحجري والغاز الطبيعي) أدى إلى زيادة نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الجوّ
مما أدى بالتالي إلى زيادة مضطردة في معدّل درجة حرارة الأرض لأن لهذا الغاز قدرة
استثنائية على احتجاز بعض صور الطاقة الحرارية قريباً من سطح الأرض ومنعها من الانتشار
والعودة مرة أخرى إلى الفضاء الكوني·
وعندما تنخفض درجة حرارة غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى مادون الثمانين درجة تحت الصفر
المئوي، فإنه يتجمّد متحوّلاً إلى مادة ثلجيّة بيضاء تدعى الجليد الجاف · ومن الخصائص
الغريبة لهذا الغاز أن مادته الصلبة البيضاء المتشكلة بطريقة التبريد لاتتحوّل إلى سائل
إذا رُفعت درجة حرارتها إلى مافوق درجة التجمد مثلما هي حال بقية السوائل الأخرى، بل
تتحوّل مباشرة إلى الحالة الغازيّة· ويطلق على هذه الخاصة في الكيميائية اسم التسامي أو
التصعيد · ونظراً لأن هذا الغاز أثقل كثيراً من الهواء (كثافته بالنسبة للهواء 1,52)
فإنه يتجمع قريباً من الأرض في مكان انفلاته ليغطي أوسع مساحة ممكنة· ويتمّ استغلال هذه
الخاصة في صناعة مطفئات الحرائق حيث تتمّ إسالة ثاني أوكسيد الكربون بضغطه بقوّة فوق
رغوة تتألف من خليط الماء والدقيق أو نجارة الخشب· وعند إطلاق المزيج على المواد
المحترقة فإن ثاني أوكسيد الكربون يتحرّر ويغطي المواد بطبقة رقيقة تحجب الأوكسيجين عنها
فيتوقف الاحتراق· وعندما يسقط ضوء الليزر على ثاني أوكسيد الكربون الكثيف فإنه يتلألأ
بضوء يثير الدهشة· وتستفيد فرق العروض الغنائية والموسيقية من هذه الخاصة في إقامة
الخلفيات المتلألئة لعروضهم·
وخلافاً للماء فإن ثاني أوكسيد الكربون لايوجد في الطبيعة في الحالة السائلة أو الصلبة
عند درجات الحرارة الاعتيادية (يوجد الماء على الأرض في كل الفصول في الحالات الثلاث:
الصلبة والسائلة والغازية)· وعندما يتم تعريض غاز ثاني أوكسيد الكربون لضغط مرتفع يفوق
70 بار (70 ضغطاً جوياً) فإنه يتحوّل إلى مادة ذات خصائص غريبة تقع في الحدّ الفاصل بين
السائل والغاز·
ومن الخصائص المفيدة لغاز ثاني أوكسيد الكربون أن بالإمكان إعادة فصله وإسالته من جديد
بعد استخدامه في العمليات الكيميائية المتنوّعة مما يعني نقص تكاليف الاستخدام وعدم
إضافة الكميات المستخدمة منه إلى الجوّ· ويبحث الكيميائيون الآن في توسيع المجالات
المفيدة لاستخدام ثانى أوكسيد الكربون الصلب (الجليد الجاف) في مجموعة متنوّعة من
التطبيقات الكيميائية الجديدة