عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 3  ]
قديم 2005-10-10, 8:29 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
الحب وحق الأولاد

إن النسل هدف أصيل من أهداف الحياة الزوجية، فحينما يكون الحب متبادلاً بين الزوجين لا بد من تقوية لهذا التبادل، وذلك بسعيهما وبدافع الرغبة منهما التي لها جذورها في نفسيهما لوجود طفل بينهما، يرمقانه بعين الرحمة والحنان ويضمانه بروح المحبة والاطمئنان، ويبذلان قصارى جهدهما لإسعاد هذا الطفل لكي يشعر بالحب والألفة، بالسعادة والسلام.

كل ذلك يتحقق حينما يكون هدفهما موحداً ومتجانساً، فيغرس الحب في قلب الطفل كما غرس في قلبيهما .

ويقول الدكتور محمود بن الشريف في كتابه " الحب في القرآن " :

وقد تهب رياح حقد وكراهية فتثير في أرجاء البيت عواصف وزوابع، وقد تظلل سماء البيت سحابة قاتمة سوداء تعكر الصفو وتنذر بالقطيعة والتفرق، وقد تمر فترات تتقلب خلالها القلوب فتنقلب آيات المحبة والرحمة إلى بغض ونفور، وتضيق نفس الزوج أو الزوجة بالمنزل ومن فيه وما فيه، وإن لم يثبت البنيان العائلي أمام ما اعتراه من هذه الطوارئ والمفاجآت تركت أخاديد عميقة في بنائه وإن لم تكن الحياة الزوجية وقت ذاك مدعمة بحسن العشرة.

والقرآن الكريم قد عالج هذه الحالات التي تعتري نفسية الأزواج.. فوضع لهم ذلك المبدأ (وعاشروهن بالمعروف) والمعاملة باللطف واللين، فإن استبدت بهم النوازع وتحجرت العواطف وتملكتهم الكراهية.. ( فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعلَ الله فيه خيراً كثيراً..) وكما يكمن البرء في مر الدواء. وتحمل الشدة في طياتها بوادر الفرج، فقد يكون وراء الكراهة ما وراءها من جليل الخير وجزيل النعم (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا) ، "النساء: 19" على أن حسن المعاشرة لا يطالب به الرجل وحده، ولا المرأة وحدها، بل هو قدر مشترك بينهما يطالب به كل منهما.

إن كلمة رقيقة من أحدهما للآخر.. أو دعابة مستملحة، أو هدية في مناسبة - وما أكثر المناسبات في الحياة الزوجية - أو مشاركة رمزية من الزوج في أعباء المنزل وأعماله.. وإن هذه الأشياء التي تبدو لدى بعضهم أشياء تافهة صغيرة لها وقع في النفوس، ولها نفع وأي نفع .

الحب يبني الأسرة المسلمة

يقول الأستاذ محمد قطب في كتابه " منهج التربية الإسلامية " :

ومن أجل تحقيق التوازن في سد حاجات الإنسان النفسية والبدنية اعتبر الإسلام الغريزة الجنسية إحدى الطاقات الفطرية في هذا التركيب ويجب أن يتم تنظيم وضبط تصريفها لا إطلاقها ولا كبتها.

إن استخراج هذه الطاقة من جسم الإنسان ضروري كما أن اختزانها غير سوي وفيه مضرة .. ولكن بشرط الانتفاع بها وتحقيق مقاصدها الإنسانية .

وأول تلك المقاصد : عقد أواصر المودة والرحمة بين الرجل والمرأة ...

وثانيها : تكوين الأسرة محضن الأمن والراحة والسعادة ، ومفرخ الأجيال ، ومصنع الرجال ومناط المسؤولية الاجتماعية ، وهي مباءة جديدة يتسع فيها معتى الحب ويكبر ، ويزداد نمواً وتألقاً وإشراقاً .

وثالثها : إخصاب الحياة باستمرار النوع الإنساني وتكاثره ومن ثم يتسلسل الحب مودة ورحمة وتعاطفاً من الأسرة الصغيرة إلى الأسرة الاجتماعية الكبيرة .

ورابع المقاصد : استفراغ الطاقة الجنسية في أسلوب بعيد عن البهيمية المحضة والفوضوية المطلقة تحقيقاً للراحة النفسية والحسية عند الطرفين .

وخامسها: أن يظل الحب عنواناً مهيمناً يسمو بروح الإنسان وجسده عن دنيوية وحيوانية الجنس . انتهى .

إذاً فالميل الفطري نحو الجنس الآخر إذا نبت منه الحب فلا بد أن يروى هذا النبت بالنكاح ليثمر لنا خير الفرد والأسرة والمجتمع.


النكاح هو النهاية الطبيعية للمحبين :

روى ابن ماجه والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ لم يُر للمتحابين مثل النكاح ] . المعنى أنك - أيها المحب - لم تر ما تزيد به المحبة مثل الزواج فإذا رأى رجل امرأة فأخذت بمجامع قلبه فنكاحها يورثه مزيداً من المحبة ولذا قال العلماء: أعظم الأدوية التي يعالج بها العشق النكاح فهو علاجه الذي لا يعدل عنه لغيره ما وُجد إليه السبيل، (راجع فيض القدير للمناوي ) .

ومن القواعد الحياتية المسلَّم بها في دنيا الناس أن لكل داء دواء، ولكل مرض علاجاً، سواء كان في البدن أم في النفس ، في الجسم أم في أعماق الوجدان.

وحيث إن الحب عاطفة أصيلة في الكيان النفسي للإنسان ، بل هي مدار كل الرغبات والانفعالات والصلات، ومرتكز التجاذب أو الابتعاد، تتأثر بالموجودات والمتطلبات تبعاً لصفاء النفس وإشراقها سمواً ، أو عتمتها وإخلادها إلى الأدنى هبوطاً فهي بين استقامة وانحراف…

والاستقامة علامة صحة وسلامة، والانحراف مؤشر مرض وابتلاء… وكلما كان الانحراف أشد كان الداء أظهر وأكثر فتكاً.

وفي القاموس الطبي : إن صحة وصدق التشخيص نصف العلاج، فإذا وضع الطبيب يده على المرض سهل عليه علاج المريض، وهانت عليه مداواته.

والله تعالى، الذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، وهو أقرب إليه من حب الوريد، والذي ركب فيه طاقاته وقدراته، وهو أعلم به منه.. وقد يسر للإنسان سبيل الوصول إلى تمام العلاج من داء الهوى، صراطاً ميسراً وجرعة كافية، سواء كان ذلك الحب المألوف المعهود، أو للحب بمعناه الأوسع الأعم، فمن تنكب الطريق… أو ازداد من الجرعات فقد أخطأ طريق المداواة، وتفاقمت العلة عنده، وأنذرت بالخطر الشديد حاضراً ومستقبلاً في دنياه وآخرته.

ومن نافلة القول أن نكرر الحديث النبوي الشريف القائل : [ لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح ] إذ إن إلحاح الغريزة وسُعرها أشبه بالسياط تلسع البدن وتستحثه، ألا ترى معي كيف أن الحوذيَّ يقرع بهيمته تارة بالعصا، وطوراً يلاحقها بالسياط لتسرع في السير، فتركض وتجري لاهثة تعبة، وقد يكون العبء ثقيلاً فتسقط من الإعياء، وقد تقضى ! ومن العدل والحق أن يخفف الحمل، وأن يتئد في السير، فيضمن الوصول وعدم الخسارة.

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه ] رواه مسلم وغيره .

هذا بالنسبة للمتزوج المحب.. أما العازب فماذا من أمره ؟

قال عليه الصلاة والسلام : [ يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء] رواه البخاري ومسلم .

والحديث من الوضوح إلى درجة لا تتطلب جهداً عقلياً لإدراك معناه ومغزاه.

علماً بأن الفردية مكروهة ممقوتة، شرعاً وعقلاً، فهي لا تنطوي على خير أو استقامة، ولا تؤدي إلى أي واحد منهما. و(لا رهبانية في الإسلام).

[ ... وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني] (رواه البخاري ومسلم ) .

ويروي لنا التاريخ قصص بيوت كثيرة في الإسلام بُنيت على أساس الحب الصادق فأثمرت خير الثمار.


يقول الأستاذ عبدالحليم أبو شقة تحت عنوان " الحب بين الزوجين " :

قال تعالى: ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) ، "سورة الروم:21" .

قبل أن نمضي في بحث الحقوق الجزئية لكل من الزوجين، نود أن نعرض لشعور كريم، نرجو أن يسود بين الزوجين، إذ إنه يعين على أداء تلك الحقوق على أكمل صورة، هذا الشعور هو الحب، يقذفه الله في قلب من شاء من عباده.

والحب الذي نقصده هنا ليس مجرد نزوة عابرة سرعان ما تخبو ، بل هو شعور راسخ عميق الجذور ، طويل العمر، وهو فضل من الله ونعمة. والعاطفة عند علماء النفس : من طبيعتها الهدوء والاستقرار والاستمرار .

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول عن خديجة: [ إني رزقت حبها] رواه مسلم .

على أنه قد يبدأ الزواج بحياد عاطفي لكن سرعان ما تنمو مشاعر الحب بين الزوجين نتيجة العشرة الطيبة وأخلاق الوفاء والعطاء. وعندها ينعم الزوجان بحياة طيبة هنيئة.


من اطلاعاتي