عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2005-09-17, 4:37 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي أنا راضية والحمد لله قصة
أنا راضية والحمد لله
هذه المرأة تزوجت ، وانتظرت أكثر من عشرين عاماً ،

تنتظر على إثر ذالك ريحانةً لقلبها ،

تنتظر مولوداً يشنف سمعها بلفظ الأمومة ، ولكن ،

لم يقدر الله تعالى لها من ذالك الزوج أولاداً ،

طلبت الانفصال عن هذا الزوج ، مع حبها الشديد له ،

لكن عاطفة الأمومة لديها سيالة ، انفصلت عن زوجها وتزوجت بآخر ،

فوهبها المنعم المتفضل بعد طول مدةٍ مولوداً ذكرا ،

وفي أثناء حملها ، طلقها هذا الرجل ، فوضعت حينها قرة عينها ،

بعد طول ترقب وانتظار ، وحينها تقدم لها الكثير من الخطاب ،

ولكنها رفضتهم جميعاً لتربي ولدها ، عكفت على تربيته ،

لقد علقت فيه آمالها ، ورأت فيه بهجة الدنيا وزينتها ،

انصرفت إلى خدمته في ليلها ونهارها ، غذته بصحتها ، ونمته بهزالها ،

وقوته بضعفها ، كانت تخاف عليه من رقة النسيم ، وطنين الذباب ،

كانت تؤثره على نفسها بالغذاء والراحة ، أصبح هذا الولد قلبها النابض ،

تعيش معه وتأكل معه ، وتشرب معه ، تؤنسه ، تمازحه ، تنتظره وتودعه ،

حين يذهب في المجالس وبين الأقارب يحلوا لها الحديث بطرائفه ونوادره ،

تهب البشائر والأعطيات لكل من يبشرها بنجاحه أو قدومه من سفره ،

ولما لا وهو وحيدها وثمرة فؤادها ،

تعد الأيام والشهور لترى فلذة كبدها يكبر رويداً رويدا ،

كبر ذالك الطفل ، وأصبح شاباً يافعا ، واستوى عوده ، واشتد عظمه ،

كانت تقف أمامه مزهوة شامخة ، كانت تجاهد على إعانته على الطاعة ،

كيف لا ، وهي كما تقول الأخت : عرفت منذ الصغر بطول قيامها وتهجدها ،

لا تدخل مجلساً إلا وتذكر الله وتنهى فيه عن فحش القول أو البذاءة ،

وهي مع ذالك من أهل الصلاة والصدقة ،

لطالما تاقت نفسها أن تسمع صوت وحيدها يؤم المصلين في المسجد الحرام ،

لكم تمنت أن يجعل الله له شأن يعز به دينه ،

لقد كانت كثيراً ما تختلي بنفسها في أوقات الإجابة تدع ربها ،

وكم كان اسمه يسيطر على دعاءها ، لا تنامُ إلا بعد أن ينام ،

ثم تقوم مرة أخرى وتدخل عليه لتعيد غطاءه ، وتصلح حاله ،

تفعل ذالك في الليلة الواحدة أكثر من مرة ، الله أكبر ،

مبلغ الحنانِ ومنتهاه ، أحسبُ أنكم تقولون كفى ،

فقد أبلغتِ في الوصف والثناء ، لستِ والله بمبالغة ، فهذه حالها مع ولدها ،

عزمت على تزويجه ، لترى ولده وحفيدها ، بدأت تبحث له عن عروس ،

ثم سعت إلى تقسيم منزلها إلى قسمين ، العلوي له ، والسفلي لها ،

دخلت عليه في يوم من الأيام كالعادة ، نادته لم يرد عليها ،

خفق قلبها ، رفعت يده فسقطت من يدها ، هزته بقوة ، لم يتحرك ،

بادرت بالاتصال على قريب لها ، حضر على عجل ، فحمله إلى المستشفى ،

أحست أن في الأمر شيئا ، لكنها على أمل ، فماذا عملت ،

لقد كان من أمرها عجبا !! توضأت ثم يممت شطر سجادتها ،

وسألت ربها أن يختار لها الخيرة المباركة ، وصلت ،

وبعد سويعات ، وإذا وحيدها قد مات ، نعم ، بعد أربعين سنة ،

عشرون سنة ترقبه ، وأخرى مثلها تربيه ، ضاع ذالك في لحظة واحدة ،

وما كان منها حينما بلغها الخبر ، إلا أن قالت : وحيدي مات ،

ثم استرجعت ، ثم رددت كثيرا الحمد لله ، الحمد لله ، الحمد لله ،

تقولها بثبات وصبر ، لم تندب ولم تصرخ ، ولم تشق جيباً أو تلطم خدا ،

هذه هي ثمرة الإيمان تظهر في أشد المواقف وأصعبها وأحلكها ،

كان وقع الصدمة شديداً على كل من عرف ،

بعض قريباتها يبكين أمامها ليس لفقد الولد ، ولكن رأفةً بحالها ،

كانت تنهاهن بحزم وهدوء ، وتقول بلهجتها : ما هذا الخبال ،

ربي أعطاني إياه ، أنا راضية والحمد لله أنها لم تكن في ديني ،

الله أكبر ، لقد ضربت أروع الأمثلة في الصبر والرضا ،

إلا أن بعض النفوس الضعيفة ، من اللاتي يجهلن التسليم والرضا بالقدر ،

لم يستوعبن موقفها ، فمن قائلة : لعلها أصيبت بحالة نفسية ،

ومن قائلةٍ : هي ذاهلة ولم تستوعب بعدُ وفاته ،

وفي تلك الليلة التي مات فيها فلذة كبدها ، حان وقت طعام العشاء ،

فكان من أمرها عجبا ، امتنع الكثير عن تناوله ،

أما هي فقد مدت يدها إلى الطعام

وهي تقول : والله ليس لي رغبة فيه ،

ولكني مددتُ يدي رضا بقضاء الله وقدره ،

الله أكبر ، ما أعظم موقفها ، لقد كانت تشعر بالحرقة ،

لكن على سجادتها بين يدي ربها تناجيه وتدعو لوليدها ،

نعم ، فقدت فلذة كبدها ، لكنها في الوقت نفسه المؤمنة الراضية ،

لقد حول صبرها ورضاها مع حسن ظنها بالله تعالى حول هذه المحنة إلى منحة ،

حينها يكون لها حسن العقبى في الدارين بإذن الله " .


هذه القصة ذكرها الشيخ خالد الصقعبي في شريط صانعات المآثر.