أمين الأمة
أبو عبيدة بن الجراح
إنه الصحابي الجليل أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح -رضي الله عنه-، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وكان من أحب الناس إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ، فقد سئلت عائشة-رضي الله عنها-: أي أصحاب رسول الله كان أحب إليه؟ قالت: أبو بكر. قيل: ثم من؟ قالت: عمر. قيل ثم من؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح. [الترمذي وابن ماجة].
وسماه رسول الله عليه الصلاة والسلام أمين الناس والأمة؛ حيث قال: "لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" [البخاري].
ولما جاء وفد نجران من اليمن إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، طلبوا منه أن يرسل معهم رجلا أمينايعلمهم، فقال لهم: "لأبعثن معكم رجلا أمينا، حق أمين"، فتمنى كل واحد من الصحابة أن يكون هو، ولكن النبي اختار أبا عبيدة، فقال: "قم يا أبا عبيدة" [البخاري].
وقد هاجر أبو عبيدة إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وفي المدينة آخى الرسول عليه الصلاة والسلام بينه وبين سعد بن معاذ -رضي الله عنهما-.
ولم يتخلف أبو عبيدة عن غزوة غزاها النبي عليه الصلاة والسلام، وكانت له مواقف عظيمة في البطولة والتضحية، ففي غزوة بدر رأى أبو عبيدة أباه في صفوف المشركين فابتعد عنه،بينما أصر أبوه على قتله، فلم يجد الابن مهربًا من التصدي لأبيه، وتقابل السيفان، فوقع الأب المشرك قتيلا، بيد ابنه الذي آثر حب الله ورسوله عليه الصلاة والسلام على حب أبيه، فنزل قوله تعالى: ( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
)
[
المجادلة: 22].
وفي غزوة أحد، نزع الحلقتين اللتين دخلتا من المغفر (غطاء الرأس من الحديد وله طرفان مدببان) في وجه النبي من ضربة أصابته، فانقلعت ثنيتاه، فحسن ثغره بذهابهما. [الحاكم وابن سعد].
وكان أبو عبيدة على خبرة كبيرة بفنون الحرب، وحيل القتل لذا جعله الرسول عليه الصلاة والسلام قائدًاعلى كثير من السرايا، وقد حدث أن بعثه النبي عليه الصلاة والسلام أميرًا على سرية سيف البحر،وكانوا ثلاثمائة رجل فقل ما معهم من طعام، فكان نصيب الواحد منهم تمرة في اليوم ثم اتجهوا إلى البحر، فوجدوا الأمواج قد ألقت حوتًا عظيمًا، يقال له العنبر، فقال أبو عبيدة: ميتة، ثم قال: لا، نحن رسل رسول الله وفي سبيل الله، فكلوا، فأكلوا منه ثمانية عشر يومًا. [متفق عليه].