الموضوع: الأخوة وفضلها
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 5  ]
قديم 2010-03-16, 10:53 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,493

غير متواجد
 
افتراضي
أمَّا حكمة نسخ التَّوارث على أساس هذه الأخوَّة فيما بعد، فهي أنَّ نظام الميراث الَّذي استقرَّ أخيرًا، إنَّما هو نفسه قائم على أخوَّة الإسلام بين المتوارثين؛ إذ لا توارُث بين دينَين مختلفين، إلاَّ في الفترة الأولى من الهجرة وضعت كلّ من الأنصار والمهاجرين أمام مسؤولية خاصَّة من التعاون والتناصُر والمؤانسة، بسبب مفارقة المهاجرين لأهلِهم وترْكهم ديارهم وأموالهم في مكَّة، ونزولهم ضيوفًا على إخوانهم الأنصار في المدينة، فكان ما أقامه الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - من التآخي بين أفراد المهاجرين والأنصار ضمانة لتحقيق هذه المسؤوليَّة، ولقد كان من مقْتضى هذه المسؤوليَّة أن يكون التَّآخي أقوى في حقيقتِه وأثره من أخوَّة الرحِم المجرَّدة.

ثمَّ إنَّ هذا التَّآخي الذي عقده رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بين المهاجرين والأنصار كان مسبوقًا بمؤاخاة أُخرى أقامها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بين المهاجرين في مكَّة، قال ابن عبدالبر: "كانت المؤاخاة مرَّتين: مرَّة بين المهاجرين خاصَّة، وذلك بمكَّة، ومرَّة بين المهاجرين والأنصار".

وهذا ما يؤكِّد لنا أنَّ مناط الأخوَّة وأساسها إنَّما هو رابطة الإسلام، غير أنَّها احتاجت إلى تجديد وتأكيد بعد الهجرة؛ بسبب ظروفها وبسبَب اجتِماع المهاجرين والأنصار في دار واحدة.

فهي ليست في الحقيقة شيئًا آخَر غير الأخوَّة القائمة على أساس جامعة الإسلام ووحْدة العقيدة، وإنَّما هي تأْكيد لها عن طريق التَّطبيق.
المبحث الثَّاني: ثمرة المحبَّة في الله.
إذا ما حقَّقنا الأخوَّة والمحبَّة في الله ولله، والَّتي لا تقوم على تبادُل المنافع المادّيَّة أو المصالح الشَّخصيَّة، كما قال أحد السَّلف: علامة الحبّ في الله ألاَّ يزيد بالبِرِّ ولا ينقص بالجفاء، إذا ما حقَّقْنا ذلك نلنا هذه الثّمار الجنيَّة.
أوَّلها: أنَّ المتحابين في الله يكونون في ظلّ عرش الله في وقت تدْنو الشَّمس من الرُّؤوس، ويَسيح الناس في عرقهم؛ ففي الحديث عن أبِي هُريرة عن النَّبيّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((سبعةٌ يظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلاَّ ظلُّه))، وذكر من بينها: ((ورجُلَين تحابَّا في الله - عزَّ وجلَّ - اجتمعا على ذلك وتفرَّقا عليه)).
وعن أبي هريرة عن النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((يقول الله - عزَّ وجلَّ - يوم القيامة: أين المتحابُّون في جلالي؟ اليوم أظلُّهم في ظلِّي يوم لا ظلَّ إلاَّ ظلِّي)).
ثانيًا: المتحابون في الله يحبُّهم الله - تعالى - ووالله ما أجملَها من ثمرة أن يحبَّنا الله - جلَّ جلالُه - وهو الغني عن عباده!
ففي الحديث القدسي يقول - تعالى-: ((حقَّت محبَّتي للَّذين يتحابّون فيَّ، وحقَّت محبَّتي للَّذين يتباذلون فيَّ، وحقَّت محبَّتي للَّذين يتزاورون فيَّ)).
ثالثها: المتحابّون في الله في مكان يغبطهم عليه مَن هم في أفضلِ المنازل: النبيُّون والشهداء.

المتحابُّون في الله لا يَخافون إذا خاف النَّاس، ولا يفزعون حين يفزع النَّاس، ولنسمع إلى هذا الحديث النبوي الَّذي يهزُّ الوجدان.

عن معاذ بن جبل قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((قال الله - عزَّ وجلَّ -: المتحابّون في جلالي لهم منابرُ من نورٍ يغْبطهم النبيُّون والشهداء))؛ الحديث أخرجه التِّرْمذي في سننه وقال: حسن صحيح.

وعن ابنِ عمر - رضِي الله عنْهُما - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إنَّ لله عبادًا ليْسوا بأنبِياء ولا شهداء، يغبطُهُم الشهداء والنبيُّون يوم القيامة؛ لقربهم من الله تعالى ومجلسهم منْه))، فجثا أعرابيٌّ على ركبتَيه فقال: يا رسول الله، صفْهم لنا وجلّهم لنا، قال: ((قوم من أقناء النَّاس من نزَّاع القبائل، تصادقوا في الله وتحابّوا فيه، يضَع الله - عزَّ وجلَّ - لهم يوْم القيامة منابرَ من نورٍ، يَخاف النَّاسُ ولا يخافون، هم أولياء الله - عزَّ وجلَّ - الَّذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون))؛ الحديث أخرجه الحاكِم في "المستدرك" وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

فهل لنا أن نقرأ الحديث مرَّة أخرى ثمَّ نتأمَّل هذا الفضْل والمنزلة، الَّتي وهبها الله للمتحابِّين في الله؟! ألا يَجدر بنا أن نسعى لتحْقيق الأخوَّة بيننا القائمة على التحابّ والتآلُف في الله؛ لنحْظى بهذا الفضْل؟! جعلنا الله من المتحابّين في الله.

وحديث أبِي هريرة - رضي الله عنه -: ((إنَّ حول العرش منابرَ من نور، عليها قوم لباسُهم نور ووجوههم نور، ليْسوا بأنبِياء ولا شهداء، يغبطهم النبيُّون والشُّهداء)) فقالوا: يا رسول الله، صفْهم لنا، فقال: ((هم المتحابّون في الله، والمتجالِسون في الله، والمتزاوِرون في الله)).
قال العراقي في تخريجه لأحاديث الإحياء: أخرجه النَّسائي في سننِه الكبرى، ورجاله ثقات.
رابعها: أنَّ المحبَّة في الله - تعالى - تصِل بالإنسان لدرجةٍ لا يصِل إليْها بعمله، فلو أنَّ إنسانًا أحبَّ مَن هو فوقه في الدِّين والمنزلة يُحشر يوم القيامة معه، ولنسمعْ لحديث النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم:

عن أنس بن مالك أنَّ أعرابيًّا قال لرسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: متى الساعة؟ قال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما أعددتَ لها؟)) قال: حبّ الله ورسوله، قال: ((أنتَ معَ مَن أحببت))؛ الحديث أخرجه مسلم في صحيحه.

وعن أنس بن مالك قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رسول الله، متى السَّاعة؟ قال: ((وما أعددت للسَّاعة؟)) قال: حبّ الله ورسوله، قال: ((فإنَّك مع مَن أحببتَ))، قال أنس: فما فرِحْنا بعد الإسلام فرحًا أشدَّ مِن قول النَّبيّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((فإنَّك مع مَن أحببت)).

قال أنس: فأنا أحبُّ الله ورسولَه، وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالِهم.

فحريّ بنا أن نقول ما قاله أنسٌ: فإنِّي أحبّ الله ورسوله، وأبا بكر وعمر وعثمان وعلي، وأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بعملهم، والحديث أخرجه مسلم في صحيحه.
خامسها: أنَّ المحبَّة في الله تكون سببًا في تحاتّ الذنوب والخطايا؛ فعن مجاهد قال: "إذا التقى المتحابَّان فبشَّ بعضُهم إلى بعض، تحاتَّت عنهم الخطايا كما يتحاتُّ ورق الشَّجر في الشتاء إذا يبس".

فالحبُّ في الله - تعالى - وتحقيق مبدأ الأخوَّة من أهمِّ ما ينبغي أن يحرِص عليه كلُّ مسلم غيور على دينه، حتى يسود التَّرابط بين المسلمين، وحتَّى يكتب لهم النَّصر على عدوِّهم.

على أنَّ الأخوَّة لها حقوقٌ وآداب ينبغي مراعاتُها، وسأردها - إن شاء الله - في بحث منفرد إن يسَّر الله تعالى.

{إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ} [هود: 88]، فإن وفّقت فمِن الله - تعالى - وإن كانت الأخرى فمِن نفسي، وأستغفر الله.

اللهُمَّ ارزقْنا الإخلاص في أقوالِنا وأفعالِنا، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.


ــــــــــــــــــــــ
[1] راجع: البداية والنهاية لابن كثير، 3/ 306 - 307، بتصرّف يسير.


توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟