الموضوع: الأخوة وفضلها
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2010-03-16, 10:51 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,493

غير متواجد
 
افتراضي
ويبقى الأمر الثاني، وهو رباط العقيدة، وهو أمتن رباط للأخوَّة، هذا الرّباط الإيماني متمِّثلاً في العقيدة أقْوى من رباط النَّسب، وهذا الَّذي جعل مصعبَ بن عمير يقدِّم أخاه في العقيدة على أخيه في النَّسَب، ولنسمعْ إلى هذا الموقف بأذن واعية.

ففي غزْوة بدرٍ أمَرَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين أقبل بالأسارى وفرَّقهم بين أصحابِه، وقال: ((استوْصوا بهم خيرًا))، فكان من بين الأسرى أبو عزيز بن عُمير بن هاشم، أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمِّه قال أبو عزيز: مرَّ بي أخي مُصعب بن عمير، ورجلٌ من الأنصار يأسرُني، فقال: "اشدد يديْك به؛ فإنَّ أمَّه ذات متاع لعلَّها تفديه منك"، ولمَّا قال أخوه مصعب هذا التفت إليه أخوه أبو عزيز قائلا: يا أخي، هذه وصاتك بي! فقال له مصعب: "إنَّه أخي دونك"[1].

ولنستعرضْ معًا بعض الآيات والأحاديث الدَّالَّة على فضل التَّآلُف والأخوَّة؛ لعلَّنا نُحْيي موات قلوبِنا، ونعضُّ بالنَّواجذ على الإخاء في الله، والحبّ في الله، والبغض في الله.

قال - تعالى - ممْتَنًّا على رسوله بتأليف قلوب عبادِه المؤمنين: {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال: 62، 63].

يقول صاحب "الظلال" معلِّقًا على هذه الآية: "حسبك الله، فهو كافيك، وهو الَّذي أيَّدك بنصْرِه أوَّل مرَّة، وأيَّدك بالمؤمنين الَّذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وجعل منهم قوَّة موحَّدة، بعد أن كانت قلوبهم شتَّى، وعداواتُهم جاهرة وبأسهم بينهم شديدًا، سواء كان المقصود هم الأوْس والخزرج - وهم الأنصار - فقد كان بينهم في الجاهلية من الثَّارات والدِّماء والمنازعات ما يستحيل معه الالتِئام، فضلاً عن هذا الإخاء الَّذي لم تَعرف له الأرض نظيرًا ولا شبيهًا، أو كان المقصود هم المهاجرين، وهم كانوا كالأنصار في الجاهليَّة، أو كان الجميع مقصودين، فقد كانت هذه هي حالة عرب الجزيرة جميعًا! ولقد وقعت المعجِزة الَّتي لا يقدر عليها إلاَّ الله، والَّتي لا تصنعها إلاَّ هذه العقيدة، فاستحالت هذه القلوب النَّافرة، وهذه الطِّباع الشَّموس، إلى هذه الكُتْلة المتراصَّة المتآخية الذَّلول بعضها لبعض، المحبّ بعضها لبعض، المتآلِف بعضها مع بعض، بهذا المستوى الَّذي لم يعرفه التاريخ، كما تشهد الأمَّة التي بناها على الحبّ أنَّها لم تكن مجرَّد كلمات مجنَّحة، ولا مجرَّد أعمال مثاليَّة فردية، إنَّما كانت واقعًا شامخًا قام على هذا الأساس الثَّابت، بإذن الله، الَّذي لا يقدر على تأليف القلوب هكذا سواه".اهـ.

أقول: ومن عجيب أمْر هذه الآية أن نَجِد أنَّ الله - تعالى - بدأ في الآية ممتنًّا على رسوله بالنَّصر ونظم معه التَّأليف والتَّرابُط بين المؤمنين، {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ}، ولعلَّ في هذا إشارة إلى أنَّ من أهمِّ خطوات النَّصر بعد توفيق الله - تعالى - التَّآلفَ والأخوَّة والتَّرابط بين المؤمنين، فإذا ما فقدت فلن يكون هناك نصر؛ إذ كيف يتصور نصرٌ بين أناس لا رابط بينهم مفرَّقين، ويؤكِّد هذا قوله - تعالى - واصفًا حال اليهود: {بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: 14].

ومن الآيات الدَّالَّة على فضْل الأخوَّة وأنَّها سبب لتماسُك المجتمعات: قولُه - جلَّ وعلا -: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].

يقول صاحب "الظلال" معلِّقًا على هذه الآية بقوله: "فهي أخوَّة إذن تنبثق من التَّقوى والإسلام، من الركيزة الأولى، أساسها الاعتِصام بحبل الله – أي: عهْده ونهجه ودينه - وليست مجرَّد تجمُّع على أيّ تصوُّر آخر، ولا على أيِّ هدف آخر، ولا بواسطة حبل آخَر من حبال الجاهليَّة الكثيرة؛ {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا}، هذه الأخوَّة المعتصمة بحبل الله نعمةٌ يمتنُّ الله بها على الجماعة المسلمة الأولى، وهي نعمة يهَبها الله لِمَن يحبُّهم من عباده دائمًا، وهو هنا يذكرهم هذه النّعمة، يذكرهم كيف كانوا في الجاهليَّة "أعداء"... وما كان أعْدى من الأوس والخزرج في المدينة أحد، وهُما الحيَّان العربيَّان في يثرب، يُجاوِرُهما اليهود الَّذين كانوا يُوقدون حول هذه العداوة وينفخون في نارِها؛ حتَّى تأكل روابط الحيَّين جميعًا، ومِن ثمَّ تجد يهود مجالَها الصَّالح الذي لا تعمل إلاَّ فيه، ولا تعيش إلاَّ معه، فألَّف الله بين قلوب الحيَّين من العرب بالإسلام.... وما كان إلاَّ الإسلام وحْده يَجمع هذه القلوب المتنافرة، وما كان إلاَّ حبل الله الَّذي يعتصم به الجميع فيُصْبِحون بنعمة الله إخوانًا.

وما يمكن أن يجمع القلوب إلاَّ أخوَّة في الله، تصغر إلى جانبِها الأحقاد التَّاريخيَّة، والثَّارات القبليَّة، والأطْماع الشَّخصيَّة والرَّايات العنصريَّة، ويتجمَّع الصَّفّ تحت لواء الله الكبير المتعال.

وقد ذكر المفسِّرون في سبب نزول هذه الآية أنها نزلت في شأن الأوْس والخزرج، وذلك أنَّ رجُلا من اليهود مرَّ بملأ من الأوْس والخزرج، فساءَه ما هم عليه من الاتِّفاق والألفة، فبعث رجُلا معه، وأمره أن يَجلس بينهم، ويذكر لهم ما كان من حروبِهم يوم "بعاث" وتلك الحروب، ففعل فلم يزل ذلك دأبه حتَّى حَميت نفوس القوم، وغضب بعضُهم على بعض، وتثاوَروا، ونادَوا بشعارِهِم، وطلبوا أسلحتَهم وتوعدوا إلى "الحرة" ... فبلغ ذلك النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأتاهم، فجعل يسكِّنُهم، ويقول: ((أبِدعوى الجاهليَّة وأنا بين أظهركم))، وتلا عليهم هذه الآية، فندِموا على ما كان منهم، واصْطلحوا وتعانقوا وألْقوا السِّلاح، رضي الله عنهم".





توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟