التصنيف الدعوي
في بداية المرحلة الجامعية كانت التصنيفات في الساحة الدعوية
على أشدِّها،كان هذا عام (1409هـ).
فكل ما يتعلق بالإنشاد والمسرح والرحلات (إخوان)،
والذين يحضرون دروس العلماء وبعض لقاءات الشيخ بن باز والألباني
والعثيمين (سلف)، والذين يدورون في البيوت ويسافرون للدعوة (تبليغ)،
والذين يجمعون بين هذا وذاك مع شيء من الحزم (سرورية).
ولأني شاب متدين - والحمد لله - في الجامعة، ولو ظاهرياً،
فقد تم إبلاغي أن (الجوالة) فكر إخوان، والنادي الاجتماعي (سرورية)!
وبدأت الجامعة وتخرجت منها وأنا عضو في الناديين،
ولكني رفضت المشاركة في أي رحلة للفصيلين!!
واستمرت علاقتي طول الجامعة وحتى تخرجي مع علاقة
وطيدة برئيس الناديين، ممتنعاً عن قبول أي رحلة، موافقاً بلا تردد على
المشاركة في أي نشاط داخل صرح الجامعة.
كما شاركت الفصيل (السلفي) توزيع الكتيبات وإعداد الكلمات بعد الصلاة في الكليات!
فأنا مواظب على دروس الشيخ بن باز -رحمه الله- والذي كان يبات في منزل
عمي الشيخ داود العلواني، ومدرسة الشيخ بن باز أصيلة فينا، وعلاقته بعائلتنا (جدي - عمي) قوية،
إذ لا يبات في جدة إلا في داره، وحضور زواج كثير من أبناء العائلة دليل ذلك، ومنهجه السلفي منهجنا.
وكذا الشيخ الألباني -رحمه الله- الذي كان على كفالة عمي، ودروسه
وأشرطته ترن في أذني، وتؤكد منهجيتي العلمية في التعامل مع الحديث الشريف على
نهج السلف، ورسائلي في الماجستير والدكتوراه وعشرات الكتب شاهدة على ذلك، فأنا
أصيل المنهج (السلفي) تربية وتعاملاً.
كما أني أستقبل دعاة (التبليغ) في بيتي، وأشاركهم خواطرهم التربوية، ولكني
لم أسافر معهم رغم كل دعواتهم الطيبة!
وكذا فأنا محب للفن الهادف والمسرح الهادف والعمل الدعوي المرتب
والاستبشار بفقه الدعوة وحيويتها (الإخوان).
كما أن علاقتي ممتدة في التعامل والقراءة مع من يقال أنهم
خرجوا من عباءتهم (السرورية)، أو من انفصل أو كان له تموجات خاصة.
هذه قناعتي التي تشربتها، بل وتعاملت معها، وطبقتها واقعاً، لا أخفيها،
ولا أدَّعي سواها، فليس في عنقي بيعة إلا لله ورسوله، وأنا مع المؤمنين
في كل الديار، والإقرار بولي أمر بلادي.
ولي عهد مع الله أن أدعو مع كل من يؤمن
بالحكمة والموعظة الحسنة ويختارها طريقة للدعوة.
ولم أمرَّ في حياتي بفضل الله بفترة تخبط وازدراء
لداعية أو طائفة كائنة من كانت.
وأروي لأول مرة هنا أن أول فصيل سمِّي (الجامية) تحاور معي وأنا في
مرحلتي الثانوية، عن خطورة الأحزاب بمن فيهم كل من في المراكز الصيفية،
وحلقات تحفيظ القرآن الكريم، إضافة إلى إهدائي كتباً عن دعوة (الإخوان) الأم!
وقرأتها وتأثرت ببعض ما وصل إليه أصحابها، ولكني بفضل الله رغم كل
محاولاتهم رفضت المساس بأحد، وذهبت للمكتبة واشتريت بنفسي
بلا علم أحد، كتباً عن الإخوان، لأقارن ما قيل بما قالوا!!
وبعد الانتهاء من القراءة الطويلة وفي مرحلة صعبة لشاب في الثانوية،
حدثت بعض الأساتذة بالموقف، وكانوا من ديانتهم وصدقهم أن دلوني على كتب أخرى للقراءة،
وهذا ما حصل، وأكد لدي أهمية التحري والبحث الدقيق، وأن الخطأ البشري بل
وحتى الجماعي أحياناً وارد، لكن المنهج الراسخ والتأصيل المعمق هو العمدة والمعتمد.
ومن تلك اللحظة وإلى يومي هذا فأنا مع الجميع، مع الاحترام للعاملين، والعهد
مع الله للعمل مع كل من يخدم الدين لأخذ الأجر.
وما عدت يوماً أفكِّر بالتصنيف، ولا عاد يهمني لحظة،
ولا يشكل عندي انزعاجاً أو توتراً أو قلقاً من مستقبل
أو يحدث عندي شبحاً وهمياً أو حاجزاً مصطنعاً أمام النجاح.
فأنا على يقين كبير أن المليء هو سيد الساحات، وأن العاقل
لا يستفزه الرويبضة، وأن الوفاء للدعوة شرف.
وأقول لنفسي دوماً أنني مصنَّف على طريقة أبي العلاء المعري:
القول سهل باللسان وإنما *** بالفعل يمتحن الفتى ويصنَّفُ
ولذا أبارك عملاً وقولاً كل مشروع إصلاحي سديد رشيد،
حركياً كان أو سلفياً أو لا تصنيف!!
وصار مما أقوله للمحبين والراغبين في سماع الحق:
علينا أن نتعاون على البر والتقوى، والسعي للإصلاح والاستخلاف في الأرض،
بعقيدة السلفي، وحيوية الحركي، وعقلية الفكري، ومنهجية الخططي، وروحانية التبليغي،
ليكون الجميع على نَفَس واحد، ويعملون تحت شعار واحد "هو سماكم المسلمين".
ولعل هذا هو سر كتابي "جمِّع تسد"!!
وإني لآمل أن يجعلنا الله دوماً خَدَماً لدينه، وأن يكرمنا بشرف الانتساب
إلى الدعوة، والوفاء لأهلها ورجالها العاملين، والعهد مع الله لنصرة الشريعة الربانية،
والتمسك بالروابط الأخوية، مترنمين في طريقنا الطويل كلمات الدكتور القرضاوي:
تالله مـــا الدعوات تـــهزم بالأذى *** يوماً وفي التأريخ بِرُّ يمـيني
دع في يديَّ القيدَ ألــهب ضلعـي *** بالسوط ضع عنقي على السكين
لن تستطيع حصار فكري ساعة *** أو نزع إيماني ونور يقيني
فــقــلـــبي في يَـــــديْ ربــــي *** وربي ناصري ومـــعــيـنــي