عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 20  ]
قديم 2010-03-14, 4:32 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي




ذكريات تربويّة وإيمانيّة


أرجو ألا تكون اللحظات الجميلة في حياتي قليلة وسريعة!

أبدأ بذلك لأني سأروي لحظات لا يمكن أن أنساها، ومواقف لا يمكن أن يزول أثرها -بإذن الله-، ولكنها قديمة!


من هذه اللحظات السعيدة والسارة في حياتي الثانوية حبي للخلوة والنظر في السماء!


كنا نذهب مع أصدقاء الحي، وزملاء المسجد في رحلات بريّة، وكانت من الفقرات المؤنسة، أنّه في آخر الليل نجلس أو نمد ظهورنا على الأرض ، ونسمع إلى الآيات التي يؤديها أحد القراء عبر المسجل، كصدر سورة يونس، والروم، مما تتضمن ذكر خلق الله تعالى وعظيم وبديع صنعته.


كنا نتخيل الجنة ، والمأوى الذي نعمل له، نتخيل حجمنا مقارنة بالسماء العظيمة، نتأمل لحظات الخلود، نتأمل عظمة الله وضعف إمكاناتنا وقدراتنا ومدى تجاوزنا.


ولأن هذه الطريقة كانت عن صدق ورغبة في التأمل الحقيقي والإصلاح الداخلي ، كنت كل يوم وأنا طالب في الثانوية أذهب إلى سطوح المنزل، وآخذ مسجل يدوي صغير بحجم الكف، وأسمع القرآن وأنا ممتد على سجادة، حتى إذا فرغت من سماع السورة، أقوم لأصلي الوتر.


ومن اللمسات الإيمانية الراسخة في روحي والممتدة في كل كياني إلى الآن ، أن أستاذنا المربي الدكتور: عدنان فقيه -حفظه الله-، كان يختار لنا صوراً من مجلات عن عظمة الله وبديع صنعته في الكون وفي الإنسان، ويعدها على شكل (سلايد)، وهي عبارة عن صور داخل مربع صغير تقلب صورة صورة بعد وضعها في جهاز، وكان يختار أناشيد إيمانية مناسبة لتسلسل الصور كأنه مخرج وهو كذلك، ولكنه مخرج إيماني!


ومن تلك الأناشيد مثلاً، أنشودة: إنه الله القدير، وأنشودة: قل للطبيب تخطّفته يد الردى، ولا تزال ألحانها وطريقة أدائها مصحوبة مع الصور، تشعرني بالغبطة الإيمانية، والتواضع لله، وحب التجليات الربانية.


لقد كانت أساليب أستاذنا في قمة التحضر الإيماني ، وكان واعظاً صادقاً في موعظته، وبليغاً في أداء الأساليب التي تزكي القلب، وترقي الروح.


وكان صاحب عبادة وزهد، وتقوى وتألُّه، وأوراد وتلاوة، غمرنا بالمعاني التربوية والإيمانية، وأشهد أنه كان آية في فهمه للقرآن وتأمله فيه، وتمسكه به.


كل ذلك مع تمام المحافظة على منهج أهل السنة، والتقيّد بآثار الشرع، التي كانت لمساتها عنده غير جافّة ولا صعبة!


ومن اللمسات الإيمانية التي غذّتني مرحلة الثانوية كثيراً، الحفاظ على صلاة الفجر جماعة والمواظبة على درس التفسير اليومي.


فقد كان أستاذنا (د. عدنان فقيه) ومعه أستاذنا الأجل (حسن شاهين) يحضران في آخر مسجد الفتح بعد صلاة الفجر كل يوم، ويَقرأ كل منا صفحة من القرآن، ثم يقوم أحدهما بالتعليق على بعض الآيات المختارة، وننصرف بعدئذ للاستعداد للمدرسة.


أما يومي الخميس والجمعة فقد كنا نستمر إلى الإشراق، ثم نزاول نشاطنا الرياضي أو الاجتماعي في البحر، أو الاستمرار في الصيام، كل ذلك حسب الحال.


وأحياناً كان يقرر أستاذنا (فقيه) أن نصلي الفجر عند إمام قارئ تؤثر تلاوته فينا، ولمدارسة بعض معاني القرآن في الطريق.


فكان يمر عليَّ وأنا في مرحلة الثانوي قبل آذان الفجر بدقائق ، ليجدني مهيئاً، لنسير في رحلة إيمانية قلَّ نظيرها.


إن هذه اللمسات الإيمانية تسكب في قلب الشاب معاني راقية، وتؤسس في نفسه قيماً عميقة خالدة، وتغازله نفسياً ليؤوب ويمضي على نفس السيرة لأنها كانت صادقة، ولم أجد في الحقيقة وصفاً لواقع هذه اللمسات وأثرها الطيب على نفسي مثل ما وجدت في قصة قريبة للداعية محمد الراشد مع أبناء جيله في صلاة الفجر إذ يقول:

"يوم كانت الهمّة تامّة لم تنحت منها السنون بعد: كنتُ أجمع بعض إخواني الدعاة في جامعة بغداد، بعدد قليل دون العشرين كل أسبوعين، لنقوم الليل ونتلو القرآن، مع درس دعوي وموعظة مناسبة، ولأن الرقابة كانت هاجسنا: فإننا كنا نتجاوز المساجد الظاهرة العامرة إلى مسجد عتيق رطيب عريض الجدران واطئ الطاقات والأقواس، بالي الفراش، في زقاق ضيق قديم، يسمى "مسجد حسين باشا"، وهو الوالي العثماني الذي بناه قبل أربعمائة سنة تقريباً، ويبدو أن يد الصيانة لم تمتد إليه آنذاك، فكان التلف ظاهراً في أكثر أرجائه، والجص قد سقط من بعض حيطانه.



لكن أولئك المائة الروّاد الذين كانوا يتناوبون الحضور أفواجاً صدروا عن إجماع جازم أنهم لم يروا مكاناً تتجلى فيه البركة الربانية ظاهرة كمثل حَرَم ذاك المسجد، وكان أي مشارك يحسّ بروحانية عميقة تحت تلك الأقواس، ويشعر بشعور خاص إذ هو بين تلك الجدران الهرمة يفوق تأثير الموعظة، ويضاعف إخبات القلوب الذي يولِّده التهجد والتغنّي بالآي، حتى إذا حكَمَ وقت أذان الفجر: تصدى لرفع الأذان الحاج أحمد رحمه الله، مختار حي الحيدر خانة الذي يقع المسجد فيه، وكان رجلاً ميسوراً لكنه يسكن غرفة في المسجد تطل على ساحة واسعة، فكان إجماعٌ من إخواني أنهم لم يسمعوا أبداً أذاناً جميلاً آسراً مُطرباً كمثل أذانه، وكان عادل الشويخ يقول: يصح البيات في المسجد ثمناً لسماع ذلك الأذان، وأنا أشهد بما شهد به رحمه الله: أني حتى الآن وأنا في الرابعة والستين ما أتلذذ بسماع نغمات أذان تدق أبواب القلب دقاً كنغماته، وآثار أذانه في نفوس أولئك الدعاة تعدل ما يرجعون به من آثار التلاوة والتهجد.



وتفسير هاتين الظاهرتين عندي -والله أعلم-: أن هذا المسجد العتيق قد بناه صاحبه بنيّة خالصة، ثم تتابعت أجيال كثيرة من المؤمنين تصلّي فيه وتدعو، فحباه الله تعالى ببركة خاصة ميّزته عن مساجد أخرى، ثم يبدو أن هذا المؤذن الذي هو ليس بأجير كان على شعبة من الإخلاص واقتراف الحسنات، فأودع الله عز وجل في صوته تلك العذوبة والقوة التأثيرية".


توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟