عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 19  ]
قديم 2010-03-14, 4:26 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي



المراهقة العلميَّة والثقافية!


لا أدري كيف تخرجت من المتوسطة، إذ ليس هناك شيء ممتع، أو مما يسر ذكره كمكتشفات علمية أو مواهب فنية أو حتى رياضية!


كل ما في الأمر أنها مرحلة وانتهت.

وحانت الدراسة في المرحلة الثانوية، وسجَّلت في ثانوية (القدس) بحي الأمير فواز الذي أسكن فيه، وكانت مدرسة جديدة، ورقم تسجيلي فيها (70).


لم يكن فيها أي مظهر حضاري أو تعليمي!

فليس هناك شيء يفتح النفس، كالورود أو الزهور أو حتى الأغصان المتدللة، كما لم يكن هناك أي كرسي أو طاولة للدراسة.


وطُلب منا أن نشتري الكراسي والطاولات ونحمِّلها في السيارات وندخلها داخل الصفوف!


ثم طلب مدير المدرسة أن من يأتي (بشتلة) زراعية صغيرة، سيعطى (10) درجات، توهب له في الوقت الذي تراه المدرسة!


وليس في ما مضى عجب كبير، بل العجب فيما هو آت من ناحية طبيعة الدراسة.

فقد قيل لنا: أنتم طلاب ثانوية شاملة، بمعنى أنكم مثل طلاب الجامعة، الأبواب الدراسية مفتوحة، وأنتم تختارون المواد والأقسام التي تشاؤون، وتتحملون مواد الدراسة وآثار الغياب، وخلافه.


والحقيقة أننا كنا جميعاً شباباً (طازة) لا نعرف عن هذه النظم والقوانين أي شيء، ولم يخبرنا أحد بما هو الأولى بمصلحتنا!

كان هذا العام (1407هـ).


جلست أنا وخمسة من أصدقاء الحي، وتبادلنا أطراف الحديث، ووجدنا أن الثانوية إما أن تختار فيها القسم الأدبي، وهو يشمل: اللغة أو الدراسات الإسلامية أو الاجتماعية، وإما أن تختار قسم العلوم، وهي تشمل قسمي: (كيمياء أحياء) أو (رياضيات فيزياء).


ثم طلبوا مني الاختيار، فملت مع أصحاب (كيمياء أحياء) لأن أحداً ممن اختارها هو الأقرب إلى منزلي ونفسي فحسب!!


وبدأنا نخبط خبط عشواء ، ننزل المواد في كل قسم بأنفسنا، ولكم أن تتخيلوا شباباً من خريجي المتوسط يديرون حياتهم العلمية من خلال جداول وخطط لم يعرفوا عنها أي شيء، سوى شذرات من بعض المعلمين المصريين آنذاك!


وصار حالنا، كما قال د. القصيبي:
أنا أمامك.. أفكارٌ ممزقة
وحيرة.. وحماس ضائع السبلِ
لم ترتشف من ينابيع الرضا شفتي
ولم تنور براكين السنى مُقلي
ما زلت أبحث عن درب لقافلتي
ما زلت أسأل عن معنى لمرتحلي!


ومن عجائب الدراسة أنه يحق لكل طالب أن يغيب (5) محاضرات في أي مادة بلا عذر، وبعدها يحاسب ولربما يتعرض للرسوب، والغياب بلا عذر يخسِّر الطالب (نصف) درجة.


وكنا ندخل المدرسة وكأننا ندخل سوقاً تجارياً، أو ملعباً رياضياً!


فالأبواب العامة للمدرسة مفتوحة، أناس يدخلون وآخرون يخرجون، طلاب يلعبون وآخرون يأكلون ويشترون.


ولكن رغم ذلك كله لم تكن هناك مؤثرات ومغامرات كبيرة، لأن (99%) من طلاب الثانوية ليس معهم أي سيارات.


وأنا وكل رفاقي كنا نأتي إلى المدرسة بالدراجات ، رغم أننا في حي مرموق (فلل حي الأمير فواز)!


ولما وصلنا (الثاني ثانوي) اشترى أحد الأصدقاء سيارة هوندا موديل 80م!!

وكنا نخرج جل الأوقات من المدرسة ، لتغيير الأجواء، في رحلات إمتاعية بريئة، وأحياناً مراجعة لبعض ما يقوله الأساتذة، وكنا نحسب كيف نغيب (5) محاضرات من كل مادة، وهي النسبة النظامية للغياب!


وأعتقد أنه لا تثريب علينا تلك الفترة، فقد كانت الأوضاع شبه فوضى.


وأحياناً كثيرة كنت آخذ الدراجة التي أربطها في حديد منارة مسجد (علي بن أبي طالب) بحي الأمير فواز الشمالي، وأذهب إلى البيت، وأقرأ هناك، أو أراجع أو أستفيد من الوقت.


ولربما بعض الأحيان أذهب إلى صديق لي ، كان طالب علم جيد، ويكبرني سناً، فأصلي في داره صلاة الضحى، ونقرأ من مكتبته، ونتبادل القصص والفوائد، وخاصة في التفسير.


إن مرحلة الثانوية مرحلة خطيرة إذا لم يجد فيها الشاب الموجّه الناصح، وإذا لم ينظر فيها إلى المستقبل الواعد، وإذا لم يوجد من يراقب مسيرته التعليمية بشكل صحيح، وما ينقصها ليتمم ما فيها من خلل.


وهذه هي زبدة هذه المرحلة باختصار.

المهم أن المولى جلَّ جلاله أعان على التخرج من قسم (الكيمياء أحياء)، وملت إلى الجانب العلمي ، وكنت أتابع وبشدة برنامج الشيخ الزنداني عن الإعجاز العلمي، واهتممت بهذا العلم، وتابعت الكتب القليلة، بل وحتى بعض المجلات التي يحضرها لي صديق في الخطوط السعودية، لقراءة ومتابعة كل ما يتعلق بالإعجاز العلمي.


وكنت أحلم أنني سأكون من المبدعين في هذا المجال، الذين يمكثون في المعامل للتحليل، والوصول إلى المخترعات والمكتشفات العلمية التي أربطها بالإيمان.


وكنت أجمع الصور والوثائق، حتى أعددت قرص كمبيوتر، يعمل فقط على كمبيوتر صخر (386)! فيه مئات الصور العلمية المنتقاة من مئات المجلات، إضافة إلى جوانب الإعجاز العلمي فيها، وطلبته إحدى المؤسسات لبيعه ونشره، ولكني آثرت أن يكون منسوخاً بلا ثمن، لأن العبرة بنشر الحقائق لا بكسب الدراهم!


وكنت تلك الفترة مشدوداً جداً إلى الكتب الثقافية ، وخاصة فترة الإجازات، فوالدي -رحمه الله- كان يملك مكتبة ثريَّة منوعة، بحكم علاقاته الكبرى بأهل العلم والفضل.

ففي الثانوية قرأت كتباً غريبة التنوع مثل شرح بلوغ المرام، وشرح عمدة الأحكام، وزاد المعاد، والمستطرف، وكتب الطنطاوي، وسيد قطب!


إنها تشكيلة غريبة وعجيبة، لم يأمرني بها أحد، ولم يمنعني عنها أحد!


أتذكر والله أنني قبل وبعد كل صلاة أقرأ من زاد المعاد، وظللت على هذه الطريقة حتى فرغت من الجزء الثالث، وهو بتحقيق شيخي الأول ومعلمي الأكبر، العلامة المحدث: عبدالقادر الأرناؤوط -رحمه الله-.


كما إنني بعد عودتي من المدرسة كنت أقرأ في شرح الأحكام، كل يوم قرابة خمسة أحاديث، وأسجل ما يصعب فهمه، لأسأل عنه سماحة العلامة عبدالله بن بيه ، والذي كان ولا يزال جاراً لنا.


كما أتذكر الآن وبشكل عجيب أضحك منه أنني قرأت كتاب: معالم على الطريق، للأستاذ سيد قطب، وأنا على الرصيف فترة الصيف، عندما أذهب إلى إحدى النوادي الصيفية، ولا يعجبني البرنامج الرياضي.


كل ما في الأمر أن عقلية والدي ، المعروف بسلفيته، وأفتخر بها، وأدعو لها، لم تكن مأزومة أو منكفئة على نفسها، بل كان يفرح بأهل العلم، وكل ما في كتبهم من فرائد وفوائد

كما أن والدي -رحمه الله- كان يفرح إذا ذهبت إلى المكتبة واشتريت كتباً متنوعة، فأرى من احتفائه ونظراته أنه كان يأخذ بعضها إلى حجرته فيقرأ منها، ثم يخبرني عما استفاده منها!


وقد ألهمني المولى جل جلاله أن أضع لنفسي جدولاً للقراءة في كتب منوعة، إلى أن وصلت المرحلة الجامعية، وجالست الكثير من العلماء والمفكرين والمتخصصين في قضايا علمية مختلفة، أثر في وضع الأولويات، وبناء المنهجيات.


وأحمد الله أنني لم أكون مشوشاً، أو مستعيراً لفكر أحد، رغم أن أحد قرابتي كان ينصحني وأنا في الثانوية بترك كتب فلان وفلان، ولكن رحمة الله لي كانت أقرب، فرغم لصوقي به، وشدَّة قرابتي له، ورغم علميته الجيدة، ومكتبته العامرة التي سحرتني، وشدتني لزيارته كل أسبوع.


أقول: رغم ذلك كله، كانت رحمة الله أقرب، فبصَّرني أن لا أقع في فخ الاتهام لأحد، أو التشويش الفكري ضد أحد.


ومرت مرحلة المراهقة التعليمية والثقافية بسلام -والحمد لله- وإنني اليوم لأحمد الله كثيراً، كلما رأيت أو سمعت أو عاصرت من الشباب الذين عاشوا مرحلة الثقافة الشرعية والفكرية والدعوية على حساب شخصيات محدودة، ونظرات أفراد محدودي الفكر، متقوقعي الجغرافيا، أحاديي النظرة!


ومن نافلة القول: أن أذكر أن دعاء الوالدين ورعايتهما كانت سبباً للحصانة، وأن أخلاق ومنهج بعض الأساتذة الذين تعرفت عليهم، واقتنعت بصدق توجههم، ساندت في تشكيل هذا الانطباع، والإيمان به.



توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟