عندما كنت مراهقاً!
المراهقة في الحقيقة ليست متعلقة بسن محدد، بل هي متعلقة بالرَّهَق! فمن الناس من تبدأ مراهقته منذ المرحلة الابتدائية، ومنهم من تبدأ بعد ذلك!
فأنا تعبت نفسياً في المرحلة الابتدائية أكثر من المتوسطة والثانوية وما تلاها!
ففي الابتدائية كان جوّ دمشق الشام شديد البرودة، وكان جدول اللقاء بالأصدقاء صعباً، وكان أقربائي بعيدون عني، وكانت القيم التي أتعلمها من والدي كالصلاة وألوان الطاعة واحترام أهل الفضل والعلم، محفوفة داخل البيت، ومع بعض أصدقاء الوالد، بينما كانت المتعة غير بريئة في خارجه!
والسبب باختصار عدم تحبيب كثير من العوائل لأولادها معنى الصلاة، وعدم وجود برامج هادفة، خاصة إذ عرفتم أنني كنت هناك فترة (1979-1985م)!
أي فترة (ضرب الحركة الإسلامية في سوريا)، والتشديد على البرامج الهادفة.
وأتذكر ونحن في عمارة كبيرة أدوارها عشرة، وشققها ستون شقة -ولكم أن تتخيلوا هذا العدد الكبير من الشقق في عمارة واحدة، وما يمكن أن يحصل فيها من عفرتةالأولاد- أنني لم أعرف من أصدقائي من كان يُصلي أو يذهب معي للصلاة في المسجد سوى صديق واحد في الدور العاشر، وبعد ذلك أحد الأساتذة الفضلاء الذين هداهم الله بالفطرة كان يصلي بنا إماماً في شقته ومعي أربعة من أصدقائي كنت أحضرهم له في الصلاة، حيث كانت أغلب صلواتهم ابتسامات، لأنهم أتوا مجاملة لي!!
وفرح والدي كثيراً بوجود مجموعة يسيرة في العمارة تحافظ على الصلاة، وكان هذا الأستاذ يذهب كل عصر عبر الباص إلى محل الحلويات، ويشتري لنا (حلاوة نارجين)، ويلتقي بنا في صلاة المغرب في شقته، فيصلي بنا، وأحياناً يقدم واحداً منا لتشجيعه، وبعد ذلك يقدم الحلوى مع العصير أو الشاي، ويلقي خواطره الإيمانية، وأحاديثه الرقيقة، وكانت هذه الجلسات من أعظم جلسات حياتي، وكنت وقتها في الصف الخامس إبتدائي.
وأتذكر كذلك أن أستاذاً من عائلة (الطحان) كان يجمعنا في داره بعد الانتهاء من الدراسة مباشرة يوم الخميس، وهو آخر أيام الدراسة في سوريا، وفي فترة الظهيرة أي قرابة الثانية ظهراً نجتمع في بيته وعددنا قرابة الخمسين، فيلقي علينا درساً تربوياً رائعاً، لازلت والله أتذكر أحداثه، وطبيعة اللقاء، وفرحتي غير العادية به، وإلى يومي هذا أقول في نفسي: سبحان من هيئ هذه اللقاءات في مثل تلك الظروف!
ورغم هذه اللقاءات القليلة والهادفة والمؤثرة، إلا أن الشارع العام بعمومه لم يكن مرضياً، ولم تكن البرامج التلفزيونية تسر، وفي هذه المرحلة كانت تساؤلاتي الداخلية أعمق وأكبر بكثير من المرحلة المتوسطة.
وكانت المواقف التي أشاهدها وأعاصرها في المدرسة وفي الطريق تشدّني أكثر لأعرف كيف يفكر الصبيان!
حتى إنني في مرة من المرات كنت أتابع مسلسل الأطفال الكرتوني (توم آند سُوْيَر)، وهو بالمناسبة موجود على اليوتيوب، ولا يعرفه أكثر شباب اليوم!
المهم أن هذا المسلسل التلفزيوني الكرتوني كان فيه جذب غير طبيعي، ومغامرة لا نظير لها!
وفي إحدى حلقاته أنهم كانوا يتمرسون على صناعة القوس والسهم، والهجوم بها ضد كل من يعاديهم.
وأتذكر في تلك اللحظات أن بعض الجيران كانوا يرفعون أصواتهم علينا عندما نلعب الكرة، ولربما أوقفوا سياراتهم عناداً في ناحية ملعب العمارة، فقلت لأصدقائي: فلنفعل ما قام به (توم آند سُوْيَر)!، أي نضع الأقواس والسهم الخشبي ونرمي بها عليهم، وهذا ما حصل حقاً!!
أعتقد أنني في تلك المرحلة (الابتدائي) كنت أمام تيارات متعددة!
تيار البيت المحافظ الذي أنتمي إليه، وأحبه، وأطبق كل ما يدعو إليه، وتيار التلفاز ببرامجه الطفولية الكرتونية الثائرة، والتي تدعو للخيال والخروج عن المألوف، والتمرد على الواقع للاستكشاف على أقل تقدير.
إضافة إلى حماقات بعض الأصدقاء، وتصرفاتهم المشوهة أو المشبوهة!
وعندما دخلت المرحلة المتوسطة التي يفترض أن تكون الأصعب، والتي يسمح فيها الإنسان لنفسه أن يجرب، لأنه خرج من عالم الطفولة كما كان يقول لنا الكثير وأهمها مدير المدرسة الابتدائية في حفل التخرج، أقول: لقد خرجت من الابتدائية إلى المتوسطة وأنا بفضل الله، أحسن حالاً نفسياً، وأكثر تمسكاً بما أؤمن به وأتطلع عليه، وكانت كل المواقف والأحداث التي أسمعها أو أرى بعضها -يعلم الله- لا تحرك فيَّ ساكناً!
ولكني وبعد مرور عقود من الزمان ، أتذكر المرحلة الابتدائية أكثر من المتوسطة، وأتذكر مقالبها وأخطاءها، وبعض جمالها، وكيف كنا ننظر للحياة حينها!!