عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 3  ]
قديم 2010-03-13, 4:40 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي











الطفولة.. مطلب ومهرب!

بلا مبالغة، قرأت عشرات المجلدات عن هذا العالَم البريء والمستتر ( عالم الطفولة )!
قرأت رسائل ماجستير ودكتوراه، وكتب طبية وثقافية وسلوكية، وتابعت مجلات متخصصة،
ونظرت في برامج متعددة، وحفظت قصائد متنوعة، كل ذلك عن الطفولة.
ومع كل ما قرأت وتابعت ونظرت وسمعت تبقى الطفولة عالماً آخر!
أجلس أحياناً جلسات رقيقة مع بعض الأصدقاء وأسألهم عن مرحلة الطفولة فأجد أجوبة متباينة!، خلاصتها:
أن منهم من يتمنى العودة لأيام الصبا، ومراتع اللهو، ولحظات البراءة، حيث
المتعة والدلال، والنظافة، والعفوية، والاهتمام من الوالدين!
ومنهم من لا يتمنى العودة حيث الضرب، والذكريات الأليمة، والحرمان، والإهمال!

لقد عشت الطفولة بكل تفاصيلها، وأنعم الله عليَّ بمواقف أحفظ أدق تفاصيلها وأنا بين السنة (3-5)،
وأنسى أخرى تروى لي اليوم من إخواني وأمي وقد مسحت من ذاكرتي تماماً!

عندما أتذكر تلك اللحظات بكل تفاصيلها أقول في نفسي: إن للطفل قدرة عالية بل
وعالية جداً على اختزان المعلومات وتذكرها ولو بعد عدة عقود!
وعندما أحسُّ إلى هذه اللحظة ببعض الحرمان من مطالب كنت أود أن أحصل عليها ومنعت منها لأسباب البيئة والتربية آنذاك،
أدرك خطورة الجانب الإنساني، وعمق دوره ولو كبر الإنسان وشاب رأسه!

نسمع اليوم ونشاهد نماذج كثيرة وكثيرة جداً ليست بالضرورة أن تكون ذكية جداً
وعبقرية إلى أعلى مستوى، بقدر ما كانت البيئة ممتازة في العناية بالطفل من الناحية العقلية.

ومن صور ذلك ما حدثني به شيخنا العلامة محمد الحسن الددو الشنقيطي -حفظه الله-
أن أمه كانت تطلب منه إعراب بيت من الشعر وعمره خمس سنوات!

وقرأت في إحدى المجلات أن طفلاً عمره (5 سنوات) قفز من الطائرة من على بعد (8000م) في الهواء عبر المظلية،
وقد جربت هذا الأمر الخطير والمغامرة الصعبة وأنا على مشارف الأربعين، فكيف بابن الخمس سنين؟!

ما تفسير ذلك: هل هو القدرات الخاصة، أوالعبقرية المميزة، أو ما يسميه علماء النفس (الفروقات الفردية)؟!
إن هذا الأمر صحيح بنسبة ما، ولكنه بالعموم ليس صحيحاً بحكم التجربة، والمعرفة الدقيقة،
والاحتكاك المباشر بالأشخاص الذين كانت طفولتهم مميزة وصاروا حفظةً وعباقرةً بعدئذ.

القضية في تمرين الطفل، واحتضانه نفسياً وتربوياً وجسدياً وعقلياً! والاهتمام في هذه المرحلة بنسبة كبيرة له تأثيره العظيم،
ويصدق عليه قول الحكيم: الحفظ في الصغر كالنقش على الحجر.

أتذكرُ الآن ما حفظته ما بين سن (3-5) سنوات، الطريق الذي كان يأخذني فيه أبي من البيت للروضة،
أشكال وأماكن بيوت حارتنا وحارة الجيران، أشكال الحلويات واللعب، وصوربعض الزوار والزائرات للبيت،
أحفظ هذا وأتذكره الآن بلا كبير عناء، وأتساءل عن غيري ماذا يمكن أن يحفظ ويتذكر اليوم؟

دائماً ما أضع المقارنة بيني وبين ابني حمزة والذي هو الآن في السنة الثالثة -حفظه الله-.
أقارن ما عشته وقرأته وما كنت أتمنى أن أكون عليه آنذاك في ولدي.
إنها أحلى وأجمل وأفضل فرصة للتجديد والتعبير عما أريده في الطفولة.
أريده أن يتمتع ويلهو ببراءة الطفولة، وأريده أن يتعلم بما يتناسب مع قدراته وما
أهيئهُ له من أجواء لتتراكم في ذاكرته -بإذن الله-.
بل وفي الوقت نفسه ألتقط له الصور وأحفظها له، ليتذكر الجميل والمفيد في مرحلته.

إنني كل ما شاهدت منظراً لأطفال مميزين (كمجلس شورى الأطفال) بالشارقة، وبرمجة إلكترونيات يسيرة في أمريكا،
إلا وتجدني متحفزاً لتربية ابني على المعالي والنجاح.

ولكن أهم من هذا كله أتذكر ما يجب أن أحمله من (نية خالصة) و(قدوة حسنة)، و(نفسية متعافية) و(عمل صالح)، و(روح طيبة)،
و(تفاؤل جميل)، ليؤثر هذا كله على ولدي -بإذن الله- ( وكان أبوهما صالحاً )[الكهف: 82].

وكلما كبر ابني يوماً أتساءل ماذا يجب عليَّ من أمانة لأعينه على حياة طيبة وذاكرة تستوعب كل جميل،
وإذا لا قدر الله كان مرَّ عليه أمر سيئ فلتلتقط ذاكرته الرضا عن الله والصبر الجميل..
وفي كل الحالات لا بد أن يكون معنى (الجمال) مصاحباً له!

وطفولتي تسجل معاني جميلة ورائعة ومشهودة امتدت وتجذرت، بل وتفاعلت في نفسي كالمركبات الكيميائية،
وأجمل وأرقى ما أحفظه وأسجله لنفسي لأول مرة، وللتاريخ إلى يوم القيامة،
قصة والديَّ معي منذ الطفولة إلى يومي هذا في الحلقة القادمة إن شاء الله.

وإن كنت سأذكر عناوين عامة لما سأقوله، فيمكنني القول -والله يشهد- إنني لم أر وأسمع في حياتي عن طيبةٍ ونبلٍ وتدينٍ
واحترامٍ وإنسانيةٍ ما عرفته عن والديَّ، فلا تلومني إن قلت هذا ولم تقرأوا بعد خبرهما وعجائب قصصهما،
وإن رقصتم طرباً لقصصهما، ودمعت أعينكم لخبرهما، فما هو ذنبي؟! فالملك يَشهد، وقد سجَّل ما جرى!






توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟