ما الشهرة؟
إني لأسأل مرَّة ثانية : ما الشُهرة ؟!
إنَّ الشهرة وهمٌ ليس له في سوق الحقيقة قيمة !
وليس له في ميزان الواقع وزن !
حتى إنَّ هذا الحرف ( أي الشهرة ) لا يصح لغة !
ولا تكون الشهرة في الفصيح إلا بالعيب والعار والفضيحة !
ولكنَّ الألسنة أدارتها على هذا المعنى فكتبنا للناس ما يفهمون !
إنَّ الشهرة سراب زائف !
إنها مثل " المستقبل " الذي يركض وراءه الناس كلهم فلا يصلون إليه أبدا !
لأنهم إن وصلوا إليه صار " حاضرا " وعادوا يُفتشون عم مستقبل آخر يَعدُون إليه !
كحزمة الحشيش المربوطة برأس الفرس .. يسعى ليدركها وهي تسعى معه أبدا !
إنني أقول من أعماق قلبي مؤمناً به ..
ولقد مرَّ عليَّ زمان ٌ كان أحلى أمانيّ فيه أن أسير فيشير إليَّ الناس بالأيدي يقولون :
" هذا علي الطنطاوي " !
وكان قلبي يتفتح للجمال ويستشرف للحب !
فلمَّا جربت هذا كله وذقت لذته صار كل ما أرجوه أن أتوارى عن الناس وأن أمشي بينهم فلا يعرفني منهم أحد!
لقد مرَّ بي أكثر العمر ..
ورأيت الحياة ونلت لذاتها وجرعت آلامها !
لم تبقَ متعة إلا استمتعت بها !
فلا اللذائذ دامت ولا الآلام !
ولا الشهر أفادت ولا الجاه !
ولقد شهدتُ حربين عالميتين .. ورأيتُ تعاقب الدول على الشام من العثمانيين إلى الفرنسيين ..
إلى من جاء بعد ..!
ومن قام ومن قعد .. ومن أتى ومن ذهب..!
ولو أردت الوزارة وسلكت طريقها لبلغتها من زمان كما بلغها من مشى على إثري في الدراسة وفي الحياة !
ولو شئت لكنت من المشايخ الذين تُقبَّل أيديهم ثم تُملأ بالمال !
فيملكون الضِياع والسيارات ويصيرون –بحرفة الدين- من كبار أبناء الدنيا !
ولكني ما وجدتُ شيئاً يدوم !
تذهب الوزارة فلا تترك إلا حسرة في نفوس أصحابها!
ويصحو الناس فيعلمون أنَّ الذي يأكل الدنيا بالدين لا يمكن أن يكون من الصالحين المصلحين !
فزهدتُ في المناصب والمراتب والمَشيخات !
وهانت عليَّ وصغرت في عيني !
ولم يبقَ لي من دنياي ( الآن ) إلا مطلب واحد :.
يقظة قلب أدرك بها حقائق الوجود وغاية الحياة !
وأستعد بها لما بعد الموت !
- وهيهات يقظة القلب في هذا العالم المادي -!
إنَّ الذي يبلغ ذروة الجبل تنكشف له الجهة الأخرى فيرى ما بعد الانحدار !
وأنا قد بلغت ذروة العمر وانحدرت ولكني لم أبصر شيئا ً !
إنّ الطريق مغطّى بالضباب !
وقد أضعتُ مصباحي في زحمة الحياة ومعترك العيش !
/
علي الطنطاوي – رحمه الله - !
التعديل الأخير تم بواسطة يمامة الوادي ; 2010-03-03 الساعة 12:10 PM.
توقيع يمامة الوادي |
هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟
|
|