الموضوع: قلوب مكررة
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2010-03-01, 7:08 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي قلوب مكررة
قلوب مكررة

إيناس حسين مليباري

نَنشأُ وفي الاعْتِقاد أنَّّ شَخصيَّاتنا - على اختلاف طَبائِعها - تَتمَحْور حَول الفِكْر، فَبِتْنا نُورِّث هذا الاعْتِقاد لِمَنْ هُم دُونَنا، صَحيحٌ أنَّ فِكر الإنِسان يُمثِّل عاملاً أَساسيًّا لِمعرفة معدن البَشَر، لكنَّه في حَقيقة الأمْر - الفِكر- ليس سِوى مأمُور!

بِمعنَى أنَّ هُناك سُلطة أَقوى مِنه، هي مَن تَمنحَه قُوتَ يومه، هي مَن تُكسيه مَلامِحَه، سَواء بِالسَّلْب أمْ بِالإيجاب، تلك السلطة هي "القَلب".

يَقُول تَعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف: 179]، وفي مَوطِنٍ آخرَ يَقول - جلَّ شأنه -: {ولِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} [الأنعام: 113].

فما أكثَر ما نَعتَقد بأنَّ العَين هي المسؤُولة عن القِراءة، فَهي في حَقيقتها - العين - تمثِّل وسيِلةً لتحصيل المعْرِفة، بينَما تكمُن بُؤبؤتُنا الحَقيقيَّة في دَواخِلنا، فِكرنا وما يَقوم بِه من عمليات لفكِّ الشَّفرات، والَّتي مصدرها أولاً وأخيرًا "القَلب".

وكذلك فعَل الرَّسولُ - عليه الصَّلاة والسَّلام - حينَما جاءَه أحدُهم يترخَّص منه في الزِّنا، فَوضَع - عليه أفضَلُ الصَّلاة وأتمَّ التسليم - يَدَه عَلى صَدر السَّائل، وقال: ((اللهم اغفرْ ذنبه، وحصِّن فَرجَه، وطهِّر قَلبَه))، ما علاقة فعل الزِّنا، وإطلاق البَصر على الحُرمات بالقَلْب؟

يَكفينا قوله – صلَّى الله عليه وسلَّم - حيث قال: ((ألاَ وإنَّ في الجَسد مُضغَةً، إذا صَلَحتْ صَلح الجَسد كُلُّه، وإذا فَسَدتْ فسد الجسدُ كلُّه، ألاَ وهي القلب))، وأيضًا قوله: ((يا مُقلِّبَ القُلوب ثبِّت قُلوبنا على دِينك))؛ لذا جاءتْ آيات القُرآن تُحاكِي هذه العَضَلة "القلب"؛ كونها المُحرِّكَ الأساسي للفِكر، فبصلاحها يَصلح، وبفسادها يَفسد الفِكر.

إن كان الفِكر وسيلةً فلِمَ لا يتمُّ تَجاهُلُه بِشكلٍ كُلِّي؟!
لأنَّنا - كَبشَر - مَحدودو القُدرات، فَنحتاج مُؤشِّرًا يَكشِف لَنا خَبايا القلْب؛ لأنَّ – كما هو معلومٌ - اللهَ وحدَه المُطَّلِع عَلى السَّرائِر.

جَميع ما سبق يُوصلنا إلى حيث نَبتَدئ دومًا؛ الطِّفل، وموقعه في الحَياة،
كَيف نُنشِئ لَه "قلْبًا" يُمثِّل شَخصيته؟

السُّبل كَثيرة لا حَصر لها، حيثُ إنَّنا - من المُؤكَّد - نَعلم بَعضَها لتنمية "قلبه"، ولكنَّنا نجهَل المُسمَّيات، فَمثلاً، مُشاهدة الطِّفل لبرامجَ تَفاعليَّة عَلى التِّلفاز مِن شأنها - البرامِج - أن تُشكِّلَه داخِليًّا، والعَكسُ صحيح.

أمرٌ هامٌّ قد أعطاه البعضُ حَقَّه وزيادة، بينَما حرمه البَعضُ كُليَّة، ومِن شأنِ هَذا الأَمر أنْ يَجعَل مِن الطِّفل صاحبَ قَلب نابض، بينَما غيابه - الأَمر - يُحوِّل القَلْب إلى قالب أصَمَّ!

إنَّه "حُريَّة التَّعبير عَن الرأي"، ليكُن نَهجُنا مع هذا الأمر كَشَعرة مُعاوية - رضي الله عنه - حيِن سُئِل عَن كيفيَّة إمكانِه مِن أن يَحكم أميرًا عِشرين سَنة، ثُمَّ حَكمهم كَخليفة عِشرين سَنة، فأجاب: "جَعلتُ بيني وبَينهم شَعرَة، أَحد طَرفيها في يَدي والآخَر في أيديهم، فإذا شَدُّوها مِن جِهتهم أرخَيتُ مِن جِهتي حَتَّى لا تنقَطع، وإذا أرخوا مِن جِهتهم شَددتُ مِن جِهتي"، رضي الله عنه، ما أحكَمَه!

بينَما إعطاء الطِّفل حُرَّية التَّعبير بِلا قيود سَينتج عَنه سَفاهةٌ وتطاول، وهذا ما يُفسِّر سُلوك بَعض الأطفال والَّذين يتميَّزون بردِّهم على الكِبار بطريقة غير لائِقة، فأحدُ الأسباب إعطاؤه "الجمل بما حمل"!!

وعَلى النَّقيض فإنَّ حِرْص الأهل على أن يَكون الطِّفل "خاتمًا في إصبعهم" جَعلهم يُتقنون جَعْلَه آلة جَيِّدة تُنفِّذ الأوامِر بلا اعتراض؛ ظنًَّا منهم بأنَّها الطَّريقة الأسلَم؛ لكيلاَ يَكون سَفيهًا في المُستقبل!

صَحيحٌ أنَّه لن يَكون كَذلك البتَّة، لكنَّه - وما أن ينضج - سَيُصبح نُسخَةً مُكرَّرة يَعتَنق مَبدأ "مع الخَيل يا شَقرة"! وستَكتَسب شَخصيَّتُه لَقب الإمَّعَة، ولن يكون مَصدرًا يَلجأُ النَّاس إليه، فَفورًا سَيُقال: فُلان "ما عنده رأي"؛ كونه "تَقَوْلَب" بِقالب الأَوامر، فاقتَصَر قلبُه عَلى الضَّخ!

فمنهَج الوسَطيَّة هو منهج الإسْلام، فَلا إفراطَ ولا تَفريط.



توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟