ومن رحمة الله تعالى بنا-كما هو معتاد منه-أن أعاننا على عدونا المتربص بنا ،لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم:"إذا دخل رمضان فُتحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب النار،وسُلسلت(أي حُبست) الشياطين"
وبعد حبس الشياطين،تتبقى أنفسنا الأمارة بالسوء،ولذلك يأتي رمضان يوم القيامة علينا حُجَّة،أي دليل ضدنا(إن لم نستغله كما يجب) لأن الله تعالى قدم فيه كل هذا الفضل، والعطاء، وحبس الشياطين، فالفرص مهيأة للطاعة،ومن لا ينتهزها،فلا يلومَنَّ إلا نفسه.
ولابد من التنبيه إلى حيل الشيطان الذي لا يترك باباً لإيقاعنا في المعاصي إلا طَرَقه، فهو يعلم أنه سوف يُحبس في رمضان، فيتجهز في أواخر شهر شعبان بأن يُلقي في قلب المؤمن فتنة من الفتن تظل تشغله طوال رمضان،كفتنة النساء مثلاً،أو مشكلةٍ ما، أو أزمة،أو غير ذلك، فاحذر في أواخر شعبان من مصايد الشيطان، وعليك أيضاً بصلاة التوبة(ركعتين من غير الفريضة تصليهما في أى وقت) بنية التوبة من كل ذنوب السنة الماضية لتبدأ شهر رمضان بصحيفة أعمالك بيضاء، فتكون الحسنات التي تكسبها في رمضان رفعاً لدرجاتك في الجنة، بدلاً من أن تصبح مكفِّرات لذنوب السنة الماضية!
أما درجات الصيام،فهي ثلاث:
الأولى: هي درجة صيام البطن:وهو الصيام الذي يقتصر على منع الطعام والشراب،والشهوات فقط ، ومع أنه يُسقِط الفريضة،إلا أنه ينتهي بعد أذان المغرب، وهو الصوم الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم:"رُبَّ صائم حظُّه من صيامه الجوع والعطش"!
وقال أيضاً:" مَن لَم يَدَع قولَ الزور والعمل به،فليس لله تعالى حاجَة في أن يَدَع طعامه وشرابه"
و الثانية:هي درجة صيام الجوارح والحواس:أي صيام اليدين، والرجلين، واللسان ،و العينين والأذنين ؛ فلا يصح أن تصوم بطني وتفطر عيناي أو أذناي أو لساني مثلاً!!
وإذا صامت أُذُناي عن الغيبة،فلا يصِح أن أتشاجر مع المُغتاب لأوقفه عن الغيبة،لأن لساني صائم،ولا يصح أن تظهر المرأة بدون حجاب مثلاً،لأن شعرها صائم !وهذا النوع من الصيام لا ينتهي بأذان المغرب بل يمتد إلى كل الشهر الكريم .
والثالثة: هي درجة صيا م القلب؛ أي أن القلب يصوم عن كل ما سوى الله تعالى،وهذا لا يعني الانقطاع عن الدنيا،وإنما يعيش المؤمن حياته كالمعتاد، يتعامل مع الآخرين ويمارس عمله ويؤدي واجباته،ولكنه- في كل الأحوال- قلبه معلق بالله تعالى لا يرى غيره، ولا يذكر سواه،ولا شيء في قلبه أكبر منه.
وقد سُئل "الجُنَيد" عن كيفية صيام العبد لربه،فقال:"أن يكون العبد ذاهِلٌ(منشغل) عن نفسه،متصل بربه؛إن تكلم فَلِلَّه ،وإن سكت فمع الله ،وإن تحرك فلأمر الله ؛ فهو لله وبالله ومع الله"!!
ولذلك ُشرع الاعتكاف في العشر الأواخر للفوز بثواب ليلة القدر، فيضع المؤمن قلبه داخل المسجد، ولا يخرج إلا لضرورة،فلا يشعر إلا بالله تعالى.
واعلَم أن التوفيق لليلة القَدر فَضلٌ من الله تعالى لا يعطيه إلا لمن يستحقه!
والمؤمن ُمخَيَّر بين الدرجتين السابقتين؛وعليه أن يكون هدفه الرئيسي في رمضان هو العتق من النار،ولأجل تحقيق هذا الهدف،عليه أن يضع نصب عينيه الأهداف الفرعية التالية(ويكتبها ويعلِّقها في مكان بارز ،حتى لا تأخذه مشاغل الحياة وينسى ويضيع منه رمضان):
1-تلاوة القرآن:فالحرف يحسب بعشر حسنات، وفي رمضان يحسب ب 700حسنة بعد ضربه في 70.
فيحصل المؤمن على13300 حسنة لمجرد تلاوة البسملة!
وإذا علمت أن الجزء من القرآن فيه حوالى 70000 حرف، فلك أن تتخيل كم من الحسنات سوف تحصل عليه لو قرأت الأجزاء الثلاثين من القرآن الكريم؛ سواء بمفردك،أو في صلاة التراويح ،أو في صلاة القيام!!!
2-صِلة الأرحام:أكتب قائمة بأسماء أرحامك ، ورتِّبهم :الأهم،فالمهم ؛ فقاطع الرحم لا يدخل الجنة،ولا يجوز الصراط يوم القيامة،كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛فإن كانت ظروفك لا تسمح بالزيارة ،فبالتليفون أو البريد.
واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال:"ليس الواصل بالمُكافيء،ولكن الواصل من وصل مَن قطعه"أى أن الصلة تعني وصل من قاطعوك ،وليس مَن يصلونك !
3- الصدَقَة: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جواداً، كالريح المرسلة،وكان أجود ما يكون في رمضان.
ولنا في رسول الله أُسوة حسنة،فاحرص على توزيع صدقاتك على أكبر عدد من الناس كي تسعد أكبر قدر منهم في رمضان، وإذا أردت أن تكون كالريح المُرسلة،فتصدق بما تستطيع-في حدود إمكانياتك- من المال،ثم ما تستطيع من الطعام،ثم ما تستطيع من الملابس،ثم الأشياء الأخرى كالأغطية مثلاً،وقِطَع الأثاث،ولا تنتقِص من قَدر القليل الذي تتصدق به،فإن الله تعالى يضاعغه لك بإخلاصك في نِيَّتك، كما أن هذا القليل أفضل من عدم التصدُّق، ألم يقل صلى الله عليه وسلَّم:"إتَّقوا النارَ ولو بِشِقِّ(أي نِصف) تَمرة؟!" .
4-صلاة الجماعة: خاصة للرجال،واحرص على ألا تفوتك تكبيرة الإحرام،وعلى الصلاة في الصف الأول،والناحية اليمنى من الصف،فإن الله وملائكته يصلُّون على الصفوف الأولى، و ميامِن الصفوف(أي يرحمهم الله عز وجل وتدعو لهم الملائكة )
5-الدعوة إلى الله تعالى:إن معظم الانتصارات التي حققها المسلمون كانت في رمضان،منها على سبيل المثال:غزوة بدر،وحرب أكتوبر،فالمؤمن يكون في رمضان أكثر قوة،وإذا حاول أن يأخذ بيد أقاربه ومعارفه في رمضان إلى طاعة الله ،فلا شك أن الله تعالى سوف يؤيده،وينصره، وييسر له هدايتهم،وله بعد ذلك أجر كل ما يعملون من الأعمال الصالحة التي قاموا بها بسببه(وربما مضاعفة لأنه حاول معهم في رمضان) ولكن لا تنس أن تدعُ إلى سبيل ربك بالحِكمة و الموعِظة الحَسَنة.
6-الاعتكاف،(وذلك لمن استطاع)، ولو ساعة ،أو بين صلاة الفجر وصلاة الضحى،أو بين صلاتي العصر والمغرب، أو من العشاء لصلاة التهجد ،أو الفجر مثلاً.
أما من أراد الاعتكاف ولم يستطع لعذرٍ ما؛ كأن يكون طالباً، أو مريضاً،أو أن تكون أُمَّاً لديها أطفال ...إلخ ،فإن الله تعالى ُمطََّلع على ما في قلبه ،وسيعطيه أجر الاعتكاف لمجرد نيته ورغبته فيه،ولهم أن يوازِنوا بين واجبات دينهم ومتطلبات حياتهم،فلا يُحرموا أجر رمضان،ولا يقصِّروا في واجبات حياتهم.
أما المرأة الحائض، فهي تستطيع التسبيح والذِكر بشتى أنواعه، وتلاوة القرآن مما تحفظ في سرِّها دون النطق به(إلا لمُعلِّمة أو متعلِّمة)،والدعاء، والاستماع للقرآن، والدروس الدينية في غير المسجد ،والتصدق، وصلة الأرحام، ورعاية أطفال ذوات أرحامها،أو جاراتها ممن سيذهبن لصلاة التراويح (فتفوز بثواب صلاتهن إن شاء الله)؛وذلك حتى لا يقسو قلبها من عدم الذِكر، ولا يفوتها الأجر إن شاء الله تعالى.
وأخيراً فإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول:"إن من عباد الله من يغدو(يذهب) إلى صلاة العيد،وليس عليه خطيئة" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
*******
ملخص لمحاضرة بنفس العنوان للأستاذ "عمرو خالد"(بتصرف يسير)
ألقاها في مسجد الحصري في شهر شعبان 1422هـ ،وهي متاحة (في تسجيل صوتي )على موقعه
هل ترسلها لغيرك لننال الأجر سويا ًإن شاء الله؟
اللهم بارك لنا في شعبان وبلِّغنا رمضان ، آميييين