وانظر إلى ضرب المثل وهو من مناهج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في توصيل الخبر حتى تصل صورة سعة الرحمة إلى قلب كل قلق ليهدأ:
1- عن عمر قال: قدم على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بسبي، فإذا امرأة من السبي تسعى إذ وجدت صبيًّا في السبي أخذتْه فألصقتْه ببطنها وأرضعته فقال لنا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أترون هذه طارحة ولدها في النار))، قلنا: لا، وهي تقدر على ألا تطرحه، فقال: ((الله أرحم بعباده من هذه بولدها)).
2- مرَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأناس من أصحابه وصبي بين ظهراني الطريق، فلمَّا رأتْ أمُّه الدواب خشيت على ابنها أن يُوطَأ فسعتْ والِهَة، فقالت: ابني، ابني، فاحتملت ابنها فقال القوم: يا نبي الله، ما كانت هذه لتُلقِي ابنها في النار، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((والله لا يلقي حبيبه في النار))؛ صحيح رواه الإمام أحمد والحاكم.
3- ×
4- يورد ابن القيم - رحمه الله - عن بعض العارفين أنه رأى في بعض السكك بابًا قد فُتِح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي، وأمُّه خلفه تطرده، حتى خرج، فأغلقت الباب في وجهه ودخلت، فذهب الصبي غير بعيد، ثم وقف مفكرًا، فلم يجد مأوى غير البيت الذي أُخرِج منه، ولا مَن يؤويه غير والدته، فرجع مكسور القلب حزينًا، فوجد الباب مرتجًا مغلقًا، فتوسَّده ووضع خدَّه على عتبة الباب، ونام، فخرجت أمُّه، فلمَّا رأته على تلك الحال، لم تملك أن رمت بنفسها عليه، والتزمته، تقبِّله وتبكي، وتقول: يا ولدي، أين تذهب عنِّي؟ مَن يُؤويك سواي؟! أين تذهب عنِّي؟ مَن يؤويك سواي؟! ألم أقل لك: لا تخالفني، ولا تحملني بمعصيتك على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك، والشفقة عليك، وإرادة الخير لك؟ ثم ضمته إلى صدرها، ودخلت به بيتها، فتأمل قولها: لا تحملني بمعصيتك على خلاف ما جُبِلت عليه من الرحمة بك، والشفقة عليك.
وتأمَّل قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها))، فأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء؟! رحمة الله هل تُنال بالتواني والكسل، أم بالجد والعمل؟! لِمَن كتبها الله؟!
حلم الله عليك، حلم الله عليك في إمهالك، ولو شاء الله لعاجَلَك بالعقوبة، فما كنت ممَّن يسمع الآن سعة رحمته أو تظن أن الله - عز وجل - يعفو عنك ويرحمك حاجة إليك، حاشاه - سبحانه - واسمع إلى هذا الحديث الجميل في "صحيح مسلم"
عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال " يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما . فلا تظالموا . يا عبادي ! كلكم ضال إلا من هديته . فاستهدوني أهدكم . يا عبادي ! كلكم جائع إلا من أطعمته . فاستطعموني أطعمكم . يا عبادي ! كلكم عار إلا من كسوته . فاستكسوني أكسكم . يا عبادي ! إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا . فاستغفروني أغفر لكم . يا عبادي ! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني . ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم . كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم . ما زاد ذلك في ملكي شيئا . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم . وإنسكم وجنكم . كانوا على أفجر قلب رجل واحد . ما نقص ذلك من ملكي شيئا . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم . وإنسكم وجنكم . قاموا في صعيد واحد فسألوني . فأعطيت كل إنسان مسألته . ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر . يا عبادي ! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم . ثم أوفيكم إياها . فمن وجد خيرا فليحمد الله . ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " . وفي رواية : " إني حرمت على نفسي الظلم وعلى عبادي . فلا تظالموا "
قال سعيد بن عبدالعزيز: كان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثَا على ركبتيه إعظامًا له.
• عن أنس - رضِي الله عنه - أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - دخل على شاب وهو في الموت فقال: ((كيف تجدك؟))، قال: والله يا رسول الله إني أرجو الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يجتمعان في قلب عبدٍ في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمَنه ممَّا يخاف)).
• عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((قال الله: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة)).
• عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما يحكي عن ربه - عزَّ وجلَّ - قال: ((أذنب عبد ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال - تبارك وتعالى -: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال - تبارك وتعالى -: عبدي أذنَب ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنَب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال - تبارك وتعالى -: أذنَب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئتَ فقد غفرتُ لك)).
• عن أبي ذر، قال: قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطَّت السماء، وحُقَّ لها أن تئطَّ، والذي نفسي بيده ما فيها أربع أصابع إلاَّ وملك يمجِّد الله، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا، وما تلذَّذتم بالنساء على الفرشات، ولصعدتم إلى الصعدات تجأرون: ربنا))، قال أبو ذر: يا ليتني كنت شجرة تعضد.
من رحمة الله ستر الذنوب في الدنيا وغفرانها في الآخرة:
• عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه عرض له رجل فقال: كيف سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في النجوى؟ فقال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إن الله يُدنِي المؤمن، فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم، أي رب، حتى إذا قرَّره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيُعطَى كتاب حسناته، وأمَّا الكفار والمنافقون، فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين)).
• عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إن الله - عز وجل - يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها))؛ أخرجه مسلم.
• عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((كل بني آدم خطاء وخير الخطَّائين التوَّابون))؛ الترمذي.
• عن أبي هريرة: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يقول الله - عز وجل -: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ هم خيرٌ منهم، وإن تقرَّب إلي شبرًا، تقرَّبت إليه ذراعًا، وإن تقرَّب إليَّ ذراعًا تقرَّبت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة)).
• عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم)).
• وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ))؛ رواه البخاري.
• وعن الأغر بن يسار المزني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا أيها الناس ! توبوا إلى الله . فإني أتوب ، في اليوم ، إليه مائة مرة ))؛ رواه مسلم.