عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2010-02-26, 4:28 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
وعلى هذا التصنيف وأيضًا على ضوء قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما))، فقد اتضحت الرؤية تمامًا، وانكشفت الغمَّة، وبان الرشد منه - صلَّى الله عليه وسلَّم - {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 3 - 5].

وما دامت الملائكة يحبُّون ابن آدم بسبب حبِّ الله له، فمن الواجب أن يحب الإنسانُ الملائكةَ حبًّا في الله - تبارك وتعالى - ليس فقط لأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون؛ ولكن لأنهم أحباب الله وأحباب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، وأيضًا أحباب المؤمنين من بني آدم، ويقومون بكل واجبات هذا الحب، والمقومات التي تحافظ على هذا الحبِّ من عبث الأيام، ومن مكايد الشيطان، وبالدعوات التي تشرح صدر هذا الإنسان، وبالنهاية التي تثلج قلب مَن صَمَدَ على الصراط {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر: 7].

وهم قد يقتصرون بصالح دعواتهم وصلواتهم للمؤمنين فقط، ولكن في استغفارهم يستغفرون لكل من في الأرض، فإذا قَبِل الله استغفارَهم في عبدٍ من بني الإنسان وهداه إلى الصراط المستقيم، فيزيدون الدعاء بالمغفرة، وأن يقيهم الله عذاب النار، وأن يدخلهم الجنة هم وآباءهم وأزواجَهم وذريَّاتِهم، ولا ينسون أن يدْعوا الله له بأن يبعده عن السيئات، فيقول - تعالى - مبيِّنًا ذلك: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 5].

وهؤلاء الذين آمنوا بالله - سبحانه - وساروا على نهج الله - تعالى - واهتدَوْا إلى الصراط المستقيم، وسلكوا سبيل الرشد؛ أملاً في الاستقامة، فالملائكة لا تبخل عليهم بإذن الله وتوفيقه، فيطمئنونهم ويبشِّرونهم: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30].

وحينما يصلِّي علينا - سبحانه وتعالى - ليخرجَنا من الظلمات إلى النور، فإن الملائكة لا يتركون هذه الفرصة تمرُّ؛ بل يساهمون في تلك الدعوات والصلوات: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43].

وحينما تهمُّ الفئة الكافرة لمحاربة المؤمنين، لا على دنيا يتقاسمونها؛ ولكن لأن الكفار يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، والمؤمنون يريدون أن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.

نجد أن الله - سبحانه - يرسل رسله لنصرة الذين آمنوا، وفي موقعة من إحدى المواقع بين المسلمين والكفار، شاركتْ فيها ألوف الملائكة بجانب أصحاب الحقِّ من بني الإنسان؛ لنصرتهم وإعانتهم على عدوهم {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 124، 125].

وبعد كل هذه المودَّة والمحبة من قِبَل الملائكة تجاه بني آدم عمومًا، والمؤمنين خصوصًا، ولأنهم لا يعصون الله ما أمرهم، ولأنهم جنود الله في هذا الكون، ولأنهم حفظة الإنسان في وسط موبقات الحياة؛ فهم يسخطون كلَّ السخط على من اتَّخذ الشيطانَ وليًّا من دون الله، ومتى حلَّت لعنة الله في فئة، كانت اللعنات من الملائكة متلاحقة عليهم، وفي ذلك يقول - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [البقرة: 161].

وعند أحلك اللحظات وأقسى مراحل العمر، وهي مرحلة الانتقال من حياة دنيوية إلى حياة أبدية، نجد أن الملائكة لهم دور بارز في ذلك الموقف العظيم، فينادون الذين سبقتْ لهم الحسنى من الله مبشرين برضوان الله ومذكِّرين بحسن الثواب {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 103].

ثم يباركونهم ويهنئونهم بعدما يزفونهم إلى الجنة؛ بما صبروا، وأقاموا الصلاة، وأنفقوا مما رزقهم الله سرًّا وعلانيةً، حيث لا يكونون وحدهم؛ ولكن {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 23، 24].

وفي هذا المشهد العظيم الحمد كله لله - سبحانه وتعالى - ونعم أجر العاملين {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر: 75].

أما موقف من اختار طريقه بعيدًا عن الله - سبحانه وتعالى - فإن له كل الخزي في الحياة الدنيا، فمعيشته ضنك، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وعندما تأتيه المنيَّةُ يقول: {رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 10، 11].

ولكن هيهات هيهات لما يقول: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [محمد: 27].

وبعد كل هذا الخزي في الدنيا وعند الممات، سيلاقون مصيرهم في نارٍ وقودُها الناسُ والحجارة {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].

وعلى ذلك فما أحوجنا إلى أن نتفهَّم قول الله - تعالى - آمرًا رسولَه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].

ومَن لَم يسْلك هذا السبيل - حُبَّ الله وحب الرسول - سيأتي يوم القيامة نادمًا، يقول: يا ليتني أطعت الله وأطعت الرسول، ويتحسَّر على ما كان منه في دنياه يوم لا ينفع الندم {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} [الفرقان: 27].

ويلْعن رفاق السوء الذين كانوا معه في الضلالة، وقد تجرَّد من أصحابه وإخوانه {يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: 28، 29].

أما كيف أن الملائكة أعداء لأعدائنا نحن المسلمين، فيكفينا موقفهم من الشياطين حين بُعث سيدنا محمدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد قاموا - بأمر من عند الله سبحانه - بسدِّ كلِّ المنافذ على الشياطين؛ حتى لا يستَرِقوا السمع، كما قاموا بحماية الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في المعارك، وهذا بعض ما جاء في قوله - تعالى - في سورة الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [الجن: 8].

وهكذا نجد الأحباب وأحباب الأحبة، والموضع الصحيح لهذا الحبِّ الذي وهبه لنا - سبحانه وتعالى - {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7].

كل هذا عن الحب وكيف ينبغي أن يكون، ألا هل بلغت؟

ــــــــــــــــ
[1] رواه الترمذي، والمراد: في المنام، كما ذكر ابن عبدالبر في "التمهيد".


توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟