♦ أن يبحث والدُ الفتاة أو وليُّها أو غيرهم من محارمها وأهلها عن زوج صالحٍ، ذي خُلُق رضيّ، فلا حرج في ذلك؛ فقد عرض عمر - رضي الله عنه - ابنته حفصة - رضي الله عنها - على أبي بكر وعثمان - رضي الله عنهما - قبل أن يتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وكذلك عرض سعيد بن المسيب ابنته على طالب علم كان يحضر درسه، أو أن تعرض الفتاة على وليها تزويجها ممن تجد فيه الصلاح والتقوى.
قال تعالى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27]، جاء في "زبدة التفسير": "فيه مشروعية عرض ولي المرأة لها على الرجل الكفْء الصالح، وهذه سنة ثابتة في الإسلام، كما ثبت من عرض عمر لابنته حفصة على عثمان، ثم على أبي بكر - رضي الله عنهم جميعًا وأرضاهم - والقصة معروفة، وغير ذلك مما وقع في أيام النبوة وأيام الصحابة.
وقال الإمام القرطبي: "أُنْكِحك: فِيهِ عَرْض الْوَلِي بِنْته عَلَى الرَّجُل، وَهَذِهِ سُنَّة قَائِمَة، عَرَضَ صَالِح مَدْين ابْنَته عَلَى صَالِح بني إِسْرَائِيل، وَعَرَضَ عُمَر بن الْخَطَّاب ابْنَته حفصة عَلَى أَبِي بَكْر وَعُثْمَان، وَعَرَضَت الْمَوْهُوبَة نَفْسهَا على النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَمِن الْحَسَن عَرْض الرَّجُل وليته، وَالْمَرْأَة نَفْسهَا عَلَى الرَّجُل الصالح؛ اقْتِدَاء بِالسَّلَفِ الصَّالِح".
وقال سيد قطب: "وهكذا في بساطة وصراحة عرض الرجل إحدى ابنتيه، في غير تحرُّج ولا التواء، فهو يعرض نكاحًا لا يخجل منه، يعرض بناء أسرة وإقامة بيت، وليس في هذا ما يخجل، ولا ما يدعو إلى التحرُّج والتردُّد والإيماء من بعيد، ولقد كان الآباءُ يعرضون بناتهم على الرجل على عهْد رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بل كانت النساءُ تعرض نفسها على النبي - صلى الله عليه وسلم - أو مَن يرغب في تزويجهن منهم، كان يتم هذا في صراحة ونظافة وأدَب جميل، لا تُخدش معه كرامة ولا حياء؛ عرض عمر - رضي الله عنه - ابنته حفصة على أبي بكر فسكَت، وعلى عثمان فاعتذر، فلمَّا أخبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا طيَّب خاطره: ((عسى أن يجعلَ الله لها نصيبًا فيمَن هو خير منهما))، ثم تزوجها، وعرضت امرأة نفسَها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعتذر لها، فألقت إليه ولاية أمرها يزوجها ممن يشاء، فزوجها رجلاً لا يملك إلا سورتين من القرآن، علمها إياهما، فكان هذا صداقها".
♦ إنشاء جمعيات ومؤسسات تُعنَى بإعانة الشباب الراغبين في الزواج، وتُساهم في تيْسير الزواج؛ وذلك تيْسيرًا للحلال، وتعويقًا للحرام، وحماية للمجتمع مِن الفاحشة، وتوفِيرًا لأسباب الإحصان والوقاية، ويكون لها كذلك دورٌ في مساعدة الشباب في البحث عن زوجة مُناسبة له، وكذلك بالنسبة للفتاة، كما وتُعنى كذلك بعقْد دورات وندوات لتثْقيف الشباب من الذُّكور والإناث، وتَوْعيتهم بِكُلِّ ما يتعلق بالحياة الزوجية، وبثّ المفاهيم الشرعيَّة الصحيحة عن الزواج والحياة الزوجية، والوُقُوف في وجْه المخططات والحملات التي تستهدف القضاء على الأسرة.
♦ أن تنظر الفتاة لتعدُّد الزوجات على أنه تشْريع إلَهي، ورخصة ربانية مشْروطة بالعدل، وتتوافق مع فطرة الإنسان وتكوينه، وتتوافق مع واقعِه وضروراته وملابسات حياتِه المتغيّرة في شتَّى البقاع والأزمان والأحوال، وما من تشريع إلهي إلا وفيه حكمة ومصلحة، سواء أدركها البشر أم لَم يدركوها.
♦ وأما هذه السلوكيات الخاطئة من بعض المُعَدِّدين، فليستْ هي التي تُمَثِّل نظام التعدُّد في الإسلام، فهؤلاء بعدوا عن الإسلام، ولَم يُدْرِكوا روح الشريعة ومنهج الإسلام النظيف الكريم، فعلى الفتاة إنْ تقدَّمَ لِخطبتها رجلٌ متزوج، ألا تَتَسَرَّع برفْضه لكَوْنه متزوجًا، فربما يكون على درجةٍ من الدين والخلق والعقل، وفيه من الصفات ما لا يوجد في غيره ممن لَم يسبق له الزواج.
وأنا أدعو حقيقة المقتدرين على الزواج بثانية وثالثة ورابعة، وعندهم الرغبة في الزواج، أن يتزوجوا ممن تأخر زواجهن، أو حتى من الأرامل والمطلقات، من صاحبات الخلق والدِّين، ففي هذا إحصان لهن ووقاية وإعفاف، ولكن بشرط أن يتَّقوا الله فيهن، وأن يعدلوا بينهن.
وبعدُ:
فإنَّ غياب الموازين الإسلامية، وموازين التصوُّر والتفكير الصحيح، جعل الأهواء والشهوات الدنيوية هي المسيطرة على تفكير الناس، مما أثر في ميادين الحياة فأفسدها، ومنها الزواج، فالزواج أبسط وأيْسر من كل هذه التعقيدات التي عقد الناس حياتهم بها، وحاجاته ومتطلباته المادية تندفع بأَيْسر التكاليف، ولكن النمط الاستهلاكي الترفي الذي سَيْطر على حياةِ كثيرٍ من المسلمين، جعَل الأمور تَسِير على هذه الصورة المقيتة؛ ترف في الطعام والشراب واللباس، وفي تأثيث البيت مما لا حاجة له من تُحَف وكماليات، ترَفٌ عام في الحياة، وتعلق بالقيم المادية، وجعلها هي الميزانَ الذي توزن به الأمور.
أصبح الزواج عند الكثيرين ماديات ليس إلا، مع أنه التقاء وارتقاء، وسُمو ورفعة، إن كان الاختيار صحيحًا، وكانت الحياة وفْق منهج الله.
لا بد للفتاة أن تجعلَ اهتمامها بالدرجة الأولى على جوهر الخاطب ومعْدنه، فتختبر دينه وخُلُقه، وصفاء عقله، ونقاء قلْبه، وتوافقها معه في الفكر والنظرة للحياة والأشياء، وبعد هذا كل الماديات تهون، وأما أن تكون الماديات هي جُلَّ اهتمامها ومبتغاها في هذه الحياة، فما أضيق هذه النظرة! وما أقصر الحياة الدنيا! وما أضيقها إن كانت بهذه الصورة!
إنَّ المسلمين اليوم بحاجةٍ لأن يعودوا للإسلام، لا في مسألة الزواج فقط، وإنما في منهج الحياة كلها، فالإسلامُ جاء لتنظيم الحياة وإدارتها والسمو بها، وهو نظام متكامل لا يعمل إلا وهو كامل شامل، بحاجة لأن يهز الإسلام أرواحهم، فيُحدث فيها انقلابًا نفسيًّا وشعوريًّا كاملاً، ويعيد تأليف ذراتهم على نسق جديد غير الذي كان، يحدث تغيُّرًا في تصوُّرهم للحياة وفي موازين تفْكيرهم، وفي صياغة المفاهيم لديهم