قلوب مضطربة
أريج الطباع
أوَّل شعور يلفُّ قلوبَنا حينما نقرِّر المواجهة يكون مؤلمًا، نشعُر باختناق ثمَّ يتحوَّل لغضب، ولو منعْناه قد يتفجَّر بشكل عبرات غير مبرّرة، وقد نعود ثانيةً لدوَّامة الكبْت والتعليب، وعقولنا تستفزُّنا بلسان حالها الَّذي يقرر لنا: "إنَّ المشاعر هي السَّبب، فلماذا نعطيها مساحةً أكبر من حجمها؟! الأمر ببساطة يكفي معَه أن نفكِّر بعقولنا".
لكن مهلاً، لماذا تؤلِمنا المشاعر لهذه الدَّرجة؟ ولماذا نعجز عن التَّعامل معها، والاستِفادة من قوتها؟ المشاعر كالمارد، قد تكون عدوًّا يغْلبنا، وقد تكون صديقًا يُساعدنا للوصول للمستحيل.
الإنسان عادة عدوُّ ما يجهل، وجهْلنا بحقيقة مشاعرنا هو السَّبب الأكبر لتعَبِنا منها، وعدم قدرتِنا على مواجهتها والاستفادة منها إيجابيًّا.
من أكبر نعم الله عليْنا:
قلوبنا التي نَحملها بين جوانحنا، ولكنَّنا نحتاج معها إلى كتيب استخدام، لنتعلَّم كيف نستخدمها، ولا شكَّ أنَّ الله علَّمنا كلَّ ذلك بوضوح، لكنَّنا - لجهلنا وعدم تلمُّسنا للغايات الحقيقيَّة التي خلَقَنا الله من أجلها - غفلنا عنه!
المشاعر كالإشارات التي تُعيننا على المسير، لكنَّنا بحاجة لأن نربطَها بعقولنا؛ فشرارة القلب حينما تمرُّ بعقْلٍ ناضج وتتعدَّاه تُصبح لا حدودَ لها، وتفوق العقل المحْدود لأفقٍ أوسع من العواطف الدَّافعة للإنجاز والسَّعادة، لكنَّ المشكلة حينما تسير بخط سير خاطئ، فتخالف عقولنا، ويهدّنا التصادُم بينهما!
البداية من القلْب وتمرّ على العقل، لكن كيف يكون ذلك لو لم نفْهم إشارات قلوبنا، والرَّسائل التي تحْملها لنا مشاعرُنا؟
أسرع المشاعر ظهورًا، وأكثرُها تنفيسًا من النَّاس غالبًا هو الغضَب، الغضب هو الشُّعور التلقائي الَّذي يُسارع بالتمرُّد حينما نكْبت بقيَّة المشاعر بداخلنا؛ ولذلك نجِد الأطفال في بداية نُموِّهم أسرع غضبًا كلَّما تأخرت تلبية احتِياجاتهم، أو تعرَّضوا لإحباطات ممَّن حولهم.
الغضَب يوصِّل لنا رسالة مفادُها أنَّنا عاجزون؛ ولذلك كلَّما نضج الإنسان كلَّما أصبح أكثر قدرةً على ضبط غضبه، وكلَّما كان أكثر حريَّة في التَّعبير عن نفسه وأكثر ثقةً بنفسِه وبِمَن حوله، كلَّما كان أقلَّ عرضةً لمثيرات الغضب أيضًا.
ومع الغضب تحديدًا، لا أوافق مَن يقولون بتنْفيسه والتَّعبير عنه؛ فالرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((لا تغضب))، وما ينطق عن الهوى، إنَّما هو وحْي يوحى، كما كثرت الآيات الَّتي توضِّح أجْر كظم الغيظ والعفْو، وارتباطه بالإيمان.
إذًا؛ فالأهمّ هو فهْم السَّبب الحقيقي الَّذي يوصلنا للغضب، والرّسالة التي تصلنا من خلال هذا الشعور، فالمرْحلة الأولى بصداقة مشاعِرِنا، أن نفهم ما الَّذي ترغب بإيصاله لنا، وأن نروِّضها لتكون لنا لا عليْنا.
الرّسالة الرئيسة الَّتي تصلنا مع شعور الغضَب هي العجز: عجزنا عن التَّعبير، أو عن التصرُّف، أو عن تقبُّل أنفسنا، أو عدم رضانا عن وضْعِنا بشكل عام، أو شعورنا بعدَم فهم الآخرين لنا، أو .....!
لذلك؛ حينما يتملَّكك الغضب بقوَّة، تذكَّر/ي أنَّه شعور متحوّل، وابحث/ي عن الشعور الحقيقي الكامن خلفه، أو السَّبب الحقيقي الَّذي يجعلنا بهذا القدر من الغضب.
الغضب كالنيران، كلَّما نفخْناها كلَّما ازدادتِ اشتعالاً؛ لذلك مع الغضَب التَّنفيس عنه يَزيده حدَّة واشتعالاً، لكن فهمه وقراءة الرِّسالة الكامنة خلفه يَجعله يخْمد حيث انتهت مهمَّته!
فهلاَّ نظرنا بدواخِلِنا، وتلمَّسنا مشاعرنا ومشاعر مَن حولنا، متى نغضب؟ ومتى يغْضب الطَّرف الآخر؟ وما هي الأسْباب الكامنة خلف غضبِنا أو غضب الطَّرف الآخر؟ وكيف نفهَمُها بداية ونتعامل معها ونتغلَّب عليها؟
بانتِظار مشاركاتِكم الواقعيَّة وتجاربكم؛ لنتعاون معًا على إطفاء نيران الغضَب بفهْمه، ولنصل لوصيَّة رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تغضب)).