- الهم الثالث:النجاة.
بدأت نفسي في هذه المرة بالبحث عني وهي تقول : السلام عليكم... السلام عليكم ... السلام عليكم ...
أين أنت .... لماذا لا تجيبيني ؟؟؟!!!!
فقلت لها : أنا متعبة جدا ، فالهم الثالث يكاد يقتلني .
فسألتني : ما هو هذا الهم ؟ أرجوك تكلمي .. لعلي أستطيع مساعدتك .
فقلت لها : يا نفسي أريد الــنــجـــــاة .
فقالت النفس : من ماذا تريدين النجاة ؟
فقلت لها : يا نفسي أريد أن أنجو بالعلم وأن يكون حجة لي لا علي ، فاذا أثمر العلم في قلبي الخشية والخشوع والأخبات فهذا حجة لي وهذا الذي سأله النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( اللهم أني أسألك علما نافعا ) ، واذا لم يباشر القلب ولم يثمر الخشية فهو العلم الذي تعوذ منه النبي وأمر أمته أن تتعوذ بالله منه : ( اللهم أني أعوذ بك من علم لا ينفع .. ) ، وما كان على اللسان فهو حجة على ابن آدم يقوم على صاحبه .
قال ابن مسعود : ( ان أقواما يقرؤن القرآن لا يتجاوز تراقيهم ولكن اذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع صاحبه ) رواه البخاري .
وقال الحسن البصري رحمه الله : العلم عـــــلــــمـــــان :
1- علم باللسان . 2- علم بالقلب .
فالعلم باللسان حجة على ابن آدم ، والعلم بالقلب هو العلم النافع .
صــــــمـــــــت طـــــــــويــــــل .... ثم ســـألـــــتــــــهــــا :
أتدرين يا نفسي ما هو الغرور الذي وقع فيه الكثير ممن يطلبون العلم ؟
فقالت باستغراب : أيغتر طالب العلم ؟!!!
فقلت لها : نعم ، فمنهم من اهتم بطلب العلم الشرعي ولكنه أهمل تفقد الجوارح وحفظها من المعاصي ، فقد تجدينه يطلب العلم ويغتاب ، أو ينام كثيرا عن صلاة الفجر ، أو يطلب العلم ويحسد غيره وخاصة طلبة العلم مثله أو العلماء ، أو يطلب العلم ويقع في الرياء والسمعة ، وقد يطلب العلم ولا يرضى بقضاء الله اذا ابتلاه بنقص في المال والأهل والولد ، وقد يطلب العلم ولا يستعين بالله بل يعتمد على حوله وقوته .
وهناك نوع آخر قد واظبوا على الطاعات الظاهرة وتركوا المعاصي الا أنهم لم يتفقدوا قلوبهم ليمحوا الصفات الذميمة من الكبر والعجب والرياء والحسد ، فهؤلاء المساكين لم يعلموا أن الكبائر الباطنة أشد من الكبائر الظاهرة كما قال شيخ الأسلام : ( هذه الكبائر الباطنه أشد من الكبائر الظاهرة مثل شرب الخمر والزنا والسرقة وصاحب الكبائر الظاهرة أقرب من السلامة من الكبائر الباطنة ).
فسألتني نفسي : وكيف سيكون العلم حـــجـــة على طالب العلم لا لــــــه ؟
فقلت لها : سيكون حجة عليه لأنه اشتغل بما يسمى علما ، وليس علما حقيقيا اذ أن العلم الحقيقي ما يعرف به العبد ربه ونفسه ، وهذا يورث الخشية والتواضع والخوف .
وسيكون أيضا حجة عليه لأنه خاض في العلم والعبادة وهو خبيث قي داخله ، ورديء النفس وسيء الأخلاق .
فقالت النفس : أي أنه أن لم يشتغل أولا بتهذيب نفسه وتزكية قلبه بأنواع المجاهدات يبقى خبيث الجوهر ، فأذا خاض في العلم أيا كان وصادف هذا العلم في قلبه منزلا خبيثا ، فلم يطيب ثمره ولم يظهر في الخير أثره .
ففرحت جدا وقلت لها : نعم ..... الآن فقط بدأت تفهميني .
ولقد ضرب وهب بن منبه - رحمه الله - لهذا مثلا فقال : العلم كـــالـــغــيــث ينزل من الماء حلوا صافيا فتشربه الأشجار بعروقها فتحوله على قدر طعومها فيزداد المر مرارة ، والحلو حلاوة ، فكذلك العلم يحفظه الأنسان فتحوله على قدر هممها وأهوائها فيزيد المتكبر تكبرا والمتواضع تواضعا .
فقالت النفس : أريد أمثله أخرى ؟
فقلت لها : شخص رزقه الله العلم ، فاستعظم هذه النعمة وركن اليها مع نسيان اضافتها الى المنعم وهو مع ذلك مغرور غير خائف عليها من أن تسلب منه وما دعا يوما ( يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك ) فهذا هو العجب بنفسه . ولكن متى غلب على قلبه أن نعمة العلم من الله متى شاء سلبها عنه ، زال عنه هذا العجب .
وشخص آخر رزقه الله العلم ففرح بنفسه ورأها عند الله أعلى وأفضل من الناس فبدأ يخاف عليهم أكثر مما يخاف على نفسه ، ويرجو لهؤلاء أكثر مما يرجو لنفسه ، وهذا يسمى جاهلا أولى من أن يسمى عالما .
فسألتني نفسي :فما هو أوجب دعاء على كل مسلم؟
فأجبتها : ( اهدنا الصراط المستقيم ) .
فقالت نفسي : ها أنا مؤمنة ومصلية وأديت ما علي من حقوق لله . فلماذا أسأل الله الهداية ؟
فقلت لها : لأن معرفة الصراط المستقيم يتضمن :
1- معرفة الحق اجمالا وتفصيلا .
2- العمل بالعلم والتوفيق له .
3- الثبات عليه حتى الممات .
وهنا قالت النفس : ألذلك حفت الجنة بالمكاره ؟
فقلت لها : الجنة محفوفة بالمكاره وما وصل اليها من قول وعمل محفوف أيضا ، ولذلك أراد الشيطان أن يحول بينك وبين الجنة بهذا العلم ، فكانت مداخله لا يعلمها الا الله وأذكرك بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع " وذكر منها " عن علمه ماذا عمل به " ستقفي يا نفسي أمام أحكم الحاكمين يوم القيامة ويوجه اليك هذا السؤال على رؤوس الأشهاد ................
س : مــــــاذا أردت مــــــــــن هذا الـــــــعـــــــلــــــم ؟
س : هــــــــل انـــــتــــــفـــــعــــت بــــالــــــــعـــــلـــــم ؟
فأعدي يـــــا نفسي لكل ســــؤال جــــــواب ............