- الهم الثاني:العلم حجة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيتها النفس ، ها أنا قد عدت من جديد كما وعدتيني على أمل أن أكمل الحوار الذي أبتدأناه في الهم الأول ، هل ما زلت تذكريني ؟
فقالت النفس وهي مستاءة مني : نعم بالطبع وكيف أنساك بعد أن سببت لي الصداع في المرة الماضية .
فقلت لها معتذرة : أنا لم أقصد ازعاجك ولكني أريد أن أكلم من يفهمني ، فلم أجد أمامي غيرك لذا أرجو أن تحتملي كلامي لهذا اليوم وتأخذيه على محمل الجد .
فقالت النفس : حسنا ، حسنا هيا قولي ما عندك وأنا سوف أستمع اليك ولن أقاطعك أبدا .
فقلت لها : أريد يا نفسي أن يكون العلم حجة لي لا علي ، حتى لا أفاجأ وأكون من المعنيين في هذه الآية : " وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا" .
أتدرين يا نفسي ما سبب أن يكون العمل الصالح هباء منثورا ؟؟!!
فقالت النفس : لا .
فقلت لها : أذكرك أولا بقول السلف : ما من فعلة الا وينتشر لها ديوانان يوم القيامة ( لم ؟ وكيف ؟ ) .
فالسؤال الأول : لم طلبت العلم ؟ لله أم لحظك وهواك ، ولذلك فأن اخلاص النية لله ضرورة لكل مسلم وفي كل عمل ، لكنها لطالب العلم أشد ضرورة .
والسؤال الثاني : هل كان هذا العمل متابعا لهديه - صلى الله عليه وسلم - أم من عند نفسك وهواك وعقلك على مراد شيخك ؟
ومن خلال السؤالين السابقين ، لعلك أدركت أن شرطي قبول العمل هما :
1- الأخلاص .
2- ومتابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
وهذين الشرطين قد تضمنتهما كلمة الشهادة ( لا اله الا الله محمد رسول الله ) .
فقاطعتني نفسي متسائلة (وقد نست أنها وعدت بعدم المقاطعة ) فقالت : وكيف تضمنت الشهادة هذين الشرطين ؟؟
فقلت لها : (لا اله الا الله ) ركنيها :اثبات العبادة لله وحده ونفيها عمن سواه وهذا يكون الأخلاص ، أما ( محمد رسول الله ) فهو الأمام الذي نتبعه ونلتزم بهديه في جميع شؤون الحياة .
ولكن اعلمي يا نفسي : أن هذا الهم يعتريني من الحين الى الآخر لأني أخشى كثيرا كلما قرأت قوله تعالى " عاملة ناصبة تصلى نارا حامية " أي عملت أعمالا كثيرة وتعبت في الحياة الدنيا ورغم ذلك ضاعت يوم القيامة فأصبحت هباء منثورا .
وأظنك يا نفسي قد عرفت ما السر الذي جعل هذا العمل ينقلب على صاحبه من صورة صلاح الى صورة فــــســــاد ؟
وأخيرا يا نفسي أذكرك : بأحوال السلف الذين اعتنوا بهذا الأمر الذي فقده أكثر من يطلب العلم ، ولذلك طلبوا العلم وحصل لهم ما يدهش العقول وحاسبوا أنفسهم .
ينقل الأمام الذهبي في السير : قول هشام الأستوائي ( والله ما أستطيع أن أقول اني ذهبت يوما قط طلبت الحديث أريد به وجه الله ) ويقول الأمام الذهبي معلقا على هذا الكلام : والله ولا أنا .
اذا فالعلم اما مـــــنــــــحــــــة أو مــــــحـــــــنـــــــة :
فالعلم مــنـــحــــة من الله لأصحاب القلوب النقية الذين يريدون من وراء هذا العلم الأخلاص لله تعالى ، والعلم مـــــحــــــنــــــة للذين يبتغون بأعمالهم غير وجه الله ويريدون بسعيهم غير قصده .
================