الموضوع: آثار المعاصي
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 4  ]
قديم 2010-02-02, 7:16 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
34- ومن عقوباتها : أن العاصي دائمًا في أسر شيطانه ،وسجن شهواته ، وقيود هواه ، فهو أسير مسجون مقيد ، ولا أسير أسوأ حالاً من أسير أسره أعدى عدو له ، ولا سجن أضيق من سجن الهوى ، ولا قيد أصعب من قيد الشهوة ، فكيف يسير إلى اللَّه والدار الآخرة قلب مأسور مسجون مقيد ؟ وكيف يخطو خطوة واحدة ؟ وإذا تقيد القلب طرقته الآفات من كل جانب بحسب قيوده ، ومثل القلب مثل الطائر ، كلما علا بعد عن الآفات ، وكلما نزل استوحشته .وأصل هذا كله : أن القلب كلما كان أبعد من اللَّه كانت الآفات إليه أسرع ، وكلما كان أقرب إلى اللَّه بعدت عنه الآفات ، والبعد من اللَّه مراتب ، بعضها أشد من بعض ، فالغفلة تبعد العبد عن اللَّه ، وبعد المعصية أعظم من بعد الغفلة ، وبعد البدعة أعظم من بعد المعصية ، وبعد النفاق والشرك أعظم من ذلك كله .
35- ومن عقوباتها :سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند اللَّه وعند خلقه .
36- ومن عقوباتها : أنها تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف ، وتكسوه أسماء الذم والصغار ، فتسلبه اسم المؤمن والبر والمحسن والتقي والمطيع والمنيـب والولي والورع والمصلح والعابد والخائف والأوَّاب والطيـب والمرضى ونحوها ، وتكسوه اسم الفاجر والعاصي والمخالف والمسيئ والمفسد والخبـيث والمسخوط والزاني والسارق والقاتل والكاذب والخائن واللوطي والغادر وقاطع الرحم وأمثالها ، فهذه أسماء الفسوق و[ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ ] [ الحجرات : 11 ] التي توجب غضب الديان ، ودخول النيران ، وعيش الخزي والهوان ، وتلك أسماء توجب رضاء الرحمن ، ودخول الجنان ، وتوجب شرف المسمى بها على سائر أنواع الإنسان .
37- ومن عقوباتها : أنها تؤثر بالخاصة في نقصان العقل ، فلا تجد عاقلين أحدهما مطيع للَّه والآخر عاص إلا وعقل المطيع منهما أوفر وأكمل ، وفكره أصح ، ورأيه أسدّ ، والصواب قرينه ، ولهذا تجد خطاب القرآن إنما هو مع أولي الألباب والعقول ، كقوله : [ وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ] [ البقرة : 197 ] .
38-ومن عقوباتها : أن تجعل صاحبها من السفلة بعد أن كان مهيَّأ لأن يكون من العلية ، فإن اللَّه خلق خلقه قسمين : علية ، وسفلة ، وجعل عليـين مستقر العلية ، وأسفل سافلين مستقر السفلة ، وجعل أهل طاعته الأعلين في الدنيا والآخرة ، وأهل معصيته الأسفلين في الدنيا والآخرة .
39- ومن عقوباتها : أنها تجرئ على العبد ما لم يكن يجترئ عليه من أصناف المخلوقات ،
فتجرئُ عليه الشياطين [ الإنس والجن ] وتجرئ عليه أهله وخدمه وأولاده وجيرانه حتى الحيوان البهيم .
40- ومن عقوباتها : أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه ...والمقصود : أن العبد العاصي إذا وقع في شدة أو كربة أو بلية خانه قلبه ولسانه وجوارحه عما هو أنفع شيء له ، فلا ينجذب قلبه للتوكل على اللَّه تعالى والإنابة إليه ، والحمية عليه ، والتضرع والتذلل والانكسار بـين يديه ، ولا يطاوعه لسانه لذكره ، وإن ذكره بلسانه لم يجمع بـين قلبه ولسانه ، فلا ينحبس القلب على اللسان بحيث يؤثر فيه الذكر ، ولا ينحبس اللسان والقلب على المذكور ، بل إن ذكر أو دعا بقلب غافل لاه ساه ، ولو أراد من جوارحه أن تعينه بطاعة تدفع عنه لم تنقد له ، ولم تطاوعه ، وهذا كله أثر الذنوب والمعاصي ، كما له جند يدفع عنه الأعداء ، فأهمل جنده وضيعهم وأضعفهم ، وقطع أقواتهم ، ثم أراد منهم عند هجوم العدو عليه أن يستفرغوا وسعهم في الدفع عنه بغير قوة .هذا ، وثَمَّ أمر أخوف من ذلك وأدهى وأمر ، وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال إلى اللَّه تعالى ، فربما تعذر عليه النطق بالشهادة ، كما شاهد الناس كثيرًا من المحتضرين من أصابهم ذلك ، حتى قيل لبعضهم : قل (( لا إله إلا اللَّه )) ، فقال : شاه ورخ غلبك ثم قضى (شاه ورخ قطعتان من قطع الشطرنج . والمحتضر يذكرهما لأنهما أخذا عليه لبه وعقله من كثرة اللعب) .
41- ومن عقوباتها : أنها مدد من الإنسان يمد به عدوه ابليس لعنه الله عليه ، وجيش يقويه به على حربه . ( أي أن الذنوب والمعاصي سلاح ومدد يمد بها العبد أعداءه ، ويعينهم بها على نفسه ، فيقاتلونه بسلاحه ، والجاهل يكون معهم على نفسه ، وهذا غاية الجهل والسفه)
42- ومن عقوباتها : أنها تنسي العبد نفسه ،فإذا نسي نفسه أهملها وأفسدها وأهلكها ، فإن قيل : كيف ينسى العبد نفسه ؟ وإذا نسي نفسه ، فأي شيء يذكر ؟ وما معنى نسيانه نفسه ؟قيل : نعم ينسى نفسه أعظم نسيان ، قال تعالى : [ وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [ [ الحشر : 19 ] ، فلما نسوا ربهم سبحانه نسيهم وأنساهم أنفسهم ، كما قال تعالى :[ نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ] [ التوبة : 67 ] ، فعاقب سبحانه من نسيه عقوبتين :
إحداهما : أنه سبحانه نسيه والثانية :أنه أنساه نفسه .
ونسيانه سبحانه للعبد
إهماله وتركه وتخليه عنه وإضاعته ، فالهلاك أدنى إليه من اليد إلى الفم .
وأما إنساؤه نفسه
فهو إنساؤه لحظوظها العالية ، وأسباب سعادتها وفلاحها وإصلاحها وما يكملها ، ينسيه ذلك جميعه ، فلا يخطره بـباله ، ولا يجعله على ذكره ، ولا يصرف إليه همته فيرغب فيه ، فإنه لا يمر بـباله حتى يقصده ويؤثره . وأيضًا ينسيه عيوب نفسه ونقصها وآفاتها ، فلا يخطر بـباله إزالتها وإصلاحها .
43- ومنها : المعيشة الضنك في الدنيا وفي البرزخ والعذاب في الآخرة ،قال تعالى :[ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ] [ طه : 124 ] ، وقد فسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر ، ولا ريـب أنه من المعيشة الضنك ، والآيات تتناول ما هو أعم منه ، وإن كانت نكرة في سياق الإثبات ، فإن عمومها من حيث المعنى ،
فإنه سبحانه رتب المعيشة الضنك على الإعراض عن ذكره ، فالمعرض عنه له من ضنك المعيشة بحسب
إعراضه ، وإن تنعم في الدنيا بأصناف النعم ، ففي قلبه من الوحشة والذل والحسرات التي تقطع القلوب
والأماني الباطلة والعذاب الحاضر ما فيه ، وإنما تتوارى عند سكرات الشهوات والعشق وحب الدنيا والرياسة ، إن لم ينضم إلى ذلك سكر الخمر ، فسكر هذه الأمور أعظم من سكر الخمر ، فإنه يفيق صاحبه ويصحو ،
وسكر الهوى وحب الدنيا لا يصحو صاحبه إلا إذا سكر في الأموات ،
فالمعيشة الضنك لازمة لمن أعرض عن ذكر اللَّه الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم
في دنياه ، وفي البرزخ ، ويوم معاده ،
ولا تقر العين ولا يهدأ القلب ، ولا تطمئن النفس إلا بإلاهها ومعبودها الذي هو حق ،
وكل معبود سواه باطل ،
فمن قرت عينه باللَّه قرت به كل عين ،
ومن لم تقر عينه باللَّه تقطعت نفسه على الدنيا حسرات .
إلى أن قال رحمه اللَّه تعالى في نهاية الكلام عن آثار المعاصي : فانظر إلى الآخرة كأنها رأي العين ، وتأمل حكمة اللَّه سبحانه في الدارين ،
تعلم حينئذ علمًا يقينًا لا شك فيه ، أن الدنيا مزرعة الآخرة وعنوانها وأنموذجها ،
وأن منازل الناس فيها من السعادة والشقاوة على حسب منازلهم في هذه الدار من الإيمان والعمل الصالح وضدها ،
فمن أعظم الذنوب الخروج عن الصراط المستقيم في الدنيا والآخرة ، وباللَّه التوفيق . انتهى كلام ابن القيم رحمه اللَّه تعالى ، وأحيطك علمًا بأن تلك النقاط السابقة مجرد عناوين وقليل من الشرح لما في كتاب (( الجواب الكافي )) ،هذا الكتاب القيم لابن القيم الجوزية .

مقتبس من كتاب ففـــروا إلى الله
للشيخ /أبي ذر القلموني


توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟