عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 5  ]
قديم 2010-01-31, 5:13 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
وقفات ولطائف




ونلاحظ أيضاً في ختام الجزء الأول وبعد أن قصّ علينا القصص الثلاث تأتي الآية (قُولُواْ ءامَنَّا بِٱلله وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلاسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبّهِمْ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136).


فهذه الآية تفصيل للذين أنعم الله عليهم المذكورين في سورة الفاتحة (ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ  صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ).


من فضلك اقرأ هذا الجزء بنفسية من يريد أن يكون مسؤولاً عن الأرض ليستخلفه الله، وأن يستفيد من أخطاء غيره، وأن يحذر المادية والجدل والتحايل على شرع الله ويتحرى طاعته.
يحدد الجزء الثاني من سورة البقرة الأوامر والنواهي التي لا بد للأمة من الأخذ بها حتى تستخلف. وكل هذه الأوامر والنواهي - كما سيتبين معنا - متعلقة بثلاثة أمور:


1.طاعة الله


2.تميّز الأمة


3.تقوى الله


إن من سيستخلف على الأرض لا بد له من منهج ليسير عليه، هذا المنهج هو الجزء الثاني من سورة البقرة



تغيّر القبلة: إختيار للطاعة وأمر بالتميّز







يبدأ الجزء الثاني بالتعقيب على الحادثة التي أمر الله بها المسلمين بتغيير
القبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة المشرّفة، وتشكيك اليهود في المدينة بهذا الأمر: (سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَاء مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّـٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِى كَانُواْ عَلَيْهَا... (142).


وهنا سؤال يطرح: ما علاقة هذا الربع بما قبله؟ لقد تناول الجزء الأول ثلاث قصص لآدم عليه السلام، وبني إسرائيل، وإبراهيم عليه السلام. إن العامل المشترك هو أن كل هذه القصص إختبار للطاعة... فجرى إختبار آدم عليه السلام بالأكل من الشجرة، وبني إسرائيل في ذبح البقرة وخضع إبراهيم عليه السلام لاختبارات كثيرة في طاعة الله عز وجل فأتمها (وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـٰتٍ فَأَتَمَّهُنَّ (124).


فبعد أن أخبرنا عن أحوال الأمم السابقة وأراد رسم المنهج لهذه الأمة، كانت أول مقومات المنهج هي الأمر بالطاعة. فالله تعالى لم يقصّ علينا القصص إلا لحكمة، وهي ترسيخ مفهوم الطاعة عند الأمة المسؤولة عن الأرض، فجاءت حادثة تغيير القبلة كإمتحان عملي.


ولذلك كانت الآية 143 واضحة جداً في بيان هذا المعنى (وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِى كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ (143).
وقد يظن البعض أن المسألة كانت سهلة لكن الواقع غير ذلك، فالعرب كانت تقدّس الكعبة من عهد سيدنا إبراهيم، فجعل الله قبلة المسلمين لبيت المقدس، ثم جاء الأمر بالإتجاه للكعبة مرة ثانية، طاعة لله.
لاحظ معي علاقة الأرباع السابقة من الجزء الأول بهذا الربع:


-الربع السابع مهّد لفكرة النسخ (وهو تغيير الأحكام) في بدايته (مَا نَنسَخْ مِنْ ءايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا (106).ثم يأتي الربع الثامن ليتحدث عن بناء الكعبة (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ (127).
وكانت آخر حلقات السلسلة بيان أن نسخ الحكم سيكون بتغيير إتجاه القبلة، فانظر إلى جمال ترابط الآيات ببعضها!


تمييز الأمة حتى في مصطلحاتها





ولكن الربع هذا ينبّه إلى هدف آخر غير إختبار الطاعة. فكما سبق في الجزء الأول التنبيه إلى أهمية التميز عن الأمم الأخرى في المصطلحات: (يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رٰعِنَا وَقُولُواْ ٱنظُرْنَا (104) ففي هذه الآية أيضاً أمر بالتميز عن الآخرين في إتجاه القبلة..
فاليهود كانوا يصلّون باتجاه بيت المقدس، فأمر المسلمون
بمخالفتهم والتوجّه للكعبة. وكأن الرسالة هنا: كيف تستخلف أمة على هذه الأرض وهي ليست متميّزة عن غيرها؟ كيف يكون التابع والمقلّد مسؤولاً عن الأرض؟... فكان لا بد قبل الاتيان بأي أمر أو نهي في المنهج أن يأتي الأمر بالتميز عن طريق تغيير اتجاه القبلة! ليتميّز المسلمون فلا يشعروا بالتقليد والتبعية للأمم الأخرى.


وسطية التميز










أما الربع الثاني من هذا الجزء فيبدأ بالآية 128 والتي يقول الله تعالى فيها (إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ ٱلله فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا (158) بعض الناس يفهم هذه الآية أن لابأس بالطواف وأن الطواف إختياري. لكن لكي نفهم معنى الآية لا بد من معرفة سبب نزولها، فالواقع أن الصحابة عندما سمعوا خطاب القرآن يأمرهم بالتمييز (سواء بتغيير المصطلحات أو بتغيير إتجاه القبلة)، ووجدوا أن المشركين يطوفون بين الصفا والمروة (ويضعون صنمين على جبلي الصفا والمروة (آساف ونائلة) وكانوا يسعون بينهما)،


عندها شعر الصحابة بحرج من السعي بين الصفا والمروة وأنه ينافي التميز الذي أمروا به، فجاءت الآية لتخبرهم أن ليس كل ما يفعله الكفار خطأ، فإن أصل السعي بين الصفا والمروة أمر رباني واتباع لسيدنا إبراهيم. وبهذا تتضح الرسالة: لا بد من التوازن في التميز لأن هذه الأمة أمة وسط فليس كل ما يفعله الكفار مرفوض...ولذلك تأتي في هذا الربع آية هامة في رسم المنهج: (وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ (143).






توقيع يمامة الوادي




هل جربت يوماً اصطياد فكرة رائعة !؟
لـتـصوغـهـا فـي داخـلـك
وتـشحـنهـا بنبض قـلـبـك
وتعـطرهـا بطيب بروحك
وتسقـيـهـا بمـاء عـرقـك
حتى تنضج وتصنع منك إنساناً مبدعاً ؟