• هل تفكرت يوماً في نملة رأيتها خلال تنزهك في الحديقة..؟
الناس بشكل عام لا يدركون أي معنى للتفكير في الكائنات الحية التي يرونها في محيطهم. ولا يتخيّلون ان هذه الكائنات الحية التي يصادفونها كل يوم لها ميزات مثيرة للاهتمام. أما بالنسبة للمؤمن فإن كل كائن حي خلقه الله يحمل آثار الكمال في خلقه، والنمل بعض هذه المخلوقات.
فالمؤمن الذي لا يعمي عينه عن النمل الذي يراه حين يتنزه في الحديقة يشهد الكمال في خلق الله من خلال رؤيته لميزاتها المدهشة.
فحتى مشاهدة تحركات النملة تستحث العقل فهي تحرك أرجلها المتناهية الدقة بأسلوب متتال منتظم إلى أبعد حد، فهي تعرف تمام المعرفة أي رجل يجب أن تقوم بالخطوة الأولى وأيها تقوم بالخطوة التالية، وتتحرك بسرعة دون ترنّح.
وهذه الحشرة الصغيرة ترفع فتاتاً أكبر بكثير من جسمها، وتحمله إلى وكرها بقلبها وروحها، وتسافر مسافات طويلة بالمقارنة مع جسمها الضئيل.
وبكل سهولة تستطيع أن تجد وكرها في الأرض التي لا معالم تميزها دون أن يكون هناك مرشد في خدمتها. ورغم أن مدخل الوكر صغير لدرجة لا نستطيع معها نحن أنفسنا أن نجده، لا تختلط عليها الأمور فتجده أينما كان.
عندما يرى الإنسان هذه النملات في الحديقة وهي مصطفة في خط الواحدة تلو الأخرى، تكدح بحماس لتحمل الطعام إلى وكرها لا يمكنه التوقف عن التساؤل عن طبيعة هذا التصميم على العمل بكد الذي تملكه هذه الحشرات الصغيرة جداً،.
ثم يدرك الإنسان أن النملة لا تحمل الطعام لنفسها فقط ولكن أيضاً لأعضاء أخر في المستعمرة، للملكة، ولصغار النمل.
وما يحتاج الإنسان أن يتفكر به هو كيف يمكن لهذه الحشرة الصغيرة جداً التي لا تمتلك دماغاً متطوراً أن تعرف الاجتهاد والنظام والتضحية بالنفس. وبعد التأمل ملياً بهذه الحقائق يصل الإنسان إلى الخلاصة التالية: النمل مثله مثل باقي الكائنات الحية تعمل بإلهام من الله، ولا تأتمر الا بأمره سبحانه وتعالى.
• بماذا تجعلنا التحركات "المدركة" لنبتة اللبلاب نتفكر..؟
والمؤمن عندما يتنزه في الحديقة، يتفكر أيضاً بنتة اللبلاب (نبتة متعرشة) التي يصادفها، وهي من أجمل ما خلق الله تعالى. فبالنسبة لمن يتفكر هناك دائماً آيات يتعلمها من كل شيء حي.
فعلى سبيل المثال، في لف نبتة اللبلاب نفسها حول غصن ما أو أي شيء، أمر يحتاج الإنسان للتفكر فيه بدقة. ولو أن مراحل نمو هذه النبتة صوّرت، ثم أعيد عرض الشريط بسرعة لرأينا أن هذه النبتة تتحرك كما لو أنها كائن مدرك. فكأنها ترى أن هناك غصناً أمامها فتمد نفسها باتجاهه وتوثقه إليه وكأنها تحكم الخناق حوله. وأحياناً تلتف حول الغصن عدة مرات لتثبت نفسها، ثم تنمو بسرعة بهذه الطريقة، وتنشيء لنفسها طريقاً جديداً أما بالعودة أو التقدم إلى الأسفل عندما يصل ممرها إلى نهايته.
والمؤمن الذي يشهد كل هذه الأمور يدرك مرة أخرى أن الله سبحانه وتعالى خلق كل الكائنات الحية بأنظمة فريدة خالية من الخلل.
وفيما يستمر المرء بمراقبة تحركات نبتة اللبلاب فإنه يشهد معلماً آخر مهماً من معالم هذه النبتة، حيث يرى أن هذه النبتة تلصق نفسها بإحكام بالسطح الذي تتموقع عليه عبر تمديد أذرع إلى جوانبه، كما تفرز هذه النبتة "غير المدركة" مادة دبقة قوية لدرجة قد تنزع الدهان عن الحائط إذا حاول الإنسان إزالتها.
وجود مثل هذه النبتة يظهر للمؤمن الذي يتفكر في هذه الأمور القدرة الكلية لله خالقها.
• بماذا تجعلنا الأشجار نتفكر...؟
نشاهد الأشجار في كل يوم وكل مكان، ولكن مع ذلك هل تفكرتم يوماً كيف يصل الماء إلى أبعد ورقة في أعلى غصن في الشجرة الباسقة؟
يمكننا أن نمتلك فهماً أفضل للطبيعة غير العادية لهذا الأمر عن طريق المقارنة. فمن المستحيل أن يرتفع الماء من الخزان الكائن في قبو المبنى الذي نسكن فيه، إلى الطوابق الأعلى دون محرك دفع مائي، أو غيره من المحركات القوية. إذ لا يمكن حتى ضخ المياه إلى الطابق الأول ، وهذا يعني أنه يجب أن يكون هناك نظام ضخ في الأشجار شبيه بمحرك الدفع المائي، وإلا إذا لم يستطيع الماء الوصول إلى جذع الشجرة وأغصانها فإن الشجرة تموت سريعاً. لقد خلق الله كل شجرة مزودة بكل المعدات الضرورية، وعلاوة على ذلك فإن نظام الدفع المائي في الكثير من الأشجار أرفع من أن يقارن بذلك الموجود في المباني التي نعيش فيها؛ وما ذكرناه واحد من الموضوعات التي يتفكر فيها من ينظر إلى كل الأشياء بعين البصيرة، عندما يشاهد النباتات.
وهناك موضوع آخر له علاقة بأوراق الأشجار. فمن يتفكر في الأشياء التي يشاهدها، لا يعتبر، حين ينظر إلى الأشجار، أوراقها أشكالاً عادية ألف مشاهدتها. فهو يتفكر في أمور مختلفة لا تخطر لمعظم الناس، فمثلاً، مع أن أوراق الأشجار رقيقة جداً، فإنها لا تجف بفعل الحر الشديد، ولو أن إنساناً بقي في الخارج ولو لوقت قصير في حرارة تبلغ أربعين درجة مئوية، فإن لو جلده يتغير، ويعاني من الجفاف، في حين تستطيع أوراق الأشجار أن تبقى خضراء لأيام وحتى شهور في الحر الشديد دون أن تحترق، على الرغم من ضآلة كميات المياه التي تجري في أوعيتها الشبيهة بالخيوط؛ وهذه معجزة في الخلق تبين أن الله خلق كل شيء بعلم منقطع النظير. وبالتفكر في معجزة الخلق هذه يرى المؤمن عظمة الله ويذكره سبحانه وتعالى.
• خلال قراءة الجريدة أو مشاهدة التلفاز..
يتابع الناس الأخبار في الجريدة اليومية وعبر التلفاز أما خلال النهار أو حين يعودون إلى بيتهم في المساء. وفي هذه التقارير الكثير من القضايا التي يمكن أن يتفكر فيها الإنسان الحي الضمير ويأخذ حذره منها ويرى فيها آيات الله.
• بماذا يجعلنا تكرر قضايا العنف والسرقة والجريمة نتفكر؟
في كل يوم على الصفحات المحلية للأخبار في الجرائد والنشرات الأخبارية، تطالعنا تقارير عديدة عن القتل والجرح، واللصوصية والسرقات والسلب والانتحار. وتكرر وقوع هذه الأحداث والعدد الكبير للأشخاص الميالين جداً إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم يشير إلى الضرر الذي يعاني منه الناس الذين لا يؤمنون بالله. فخطف شخص ما لطفل صغير من أجل الفدية مسبباً له خوفاً عظيماً، أو حتى قتله، وتصويب شخص أخر مسدساً في وجه رجل وقتله، دون تردد، وقبول ثالث الرشوة، أو القيام بسلب الأموال أو الانتحار.. كلها تشير إلى أن هؤلاء الأشخاص لا يخافون الله ولا يؤمنون بالآخرة. فمن يخاف الله ويعرف أنه سيحاسب في الآخرة لا يفعل هذه الأمور أبداً. كل هذه الأفعال عقوبتها في الآخرة نار جهنم إذا لم يتب عنها مرتبكها وإذا لم يسامحه الله ويرحمه.
وقد يقول أحدهم:"أنا ملحد لا أؤمن بالله ومع ذلك فأنا لا أقبل الرشوة". ولكن هذا التعبير من إنسان لا يؤمن بالله غير مقنع أبداً. فمن المحتمل جداً أن يخل هذا الشخص بوعده إذا تبدلت الظروف، فعلى سبيل المثال إذا اضطر هذا الإنسان إلى إيجاد المال لسبب طارئ، وصودف أن كان في وضع فيه فرصة للسرقة أو قبول الرشوة، فمن غير المتوقع أن يكون عند كلمته عندما تكون حياته على المحك. ومع أن هذا الشخص قد يتجنب قبض الرشوة في الظروف الصعبة، فإنه قد يميل إلى ارتكاب غيرها من المحظورات، أما المؤمن فلا يقوم بأي عمل لا يستطيع أن يتحمل عاقبته في الآخرة.
إذاً، فإن سبب هذه الأحداث التي تجعلنا من المعترضين بأصواتنا في الجرائد والتلفزيونات وفي حياتنا الاجتماعية، وتدفعنا إلى أن نصرخ بقوة: "ماذا حصل لهذا المجتمع" هو في الحقيقة، قلة التدين. والمؤمن الذي يرى هذه التقارير لا يعمي عينيه عنها بل يفكر بأن الحل الوحيد بالتحدث بدعوة الناس الى الدين، وإحياء قيمه.. ففي المجتمع الذي يتكون من أناس يخافون الله ويعلمون أنهم سيحاسبون في الآخرة من المستحيل لهذه الأحداث أن تقع بهذه الدرجة التي تقع فيها في أوقاتنا هذه. ففي مثل هذا المجتمع سوف يعيش الناس في أعلى درجات الأمن والسلام.