![]() |
ملاحظة القصر ماذا تفيد؟
ملاحظة القصر ماذا تفيد؟ سلطان بن عثمان البصيري إن مما يقوِّي إيمانَ العبد بربه، ويزيده ثباتًا على دينه، واستقامة في سيره إلى الله - أن يلاحظ قصرَ الدنيا، وسرعة انقضائها، فما هي إلا أمل مخترم، كما فُعل بالأشياع من قبل. ولنتدبر قول الله - تعالى -: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} [الأحقاف: 35]، وقوله: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: 46]، وقـوله: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون: 112 - 114]، وقوله: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا} [طه: 102 - 104]، فهذه الآيات الكريمة توحي بأن الدنيا لا نقول: لن يخلَّد فيها فحسب؛ بل ستنقضي أيامها سراعًا. وحول هذا المعنى جاء في خطبة للنبي - صلى الله عليه وسـلم - قولُه لأصحابه - والشمس كانت على رؤوس الجبال قبل غروبها -: ((إنه لم يبقَ من الدنيا فيما مضى، إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه))؛ رواه الترمذي، وحسنه ابن حجر. فليتأمل العاقل الناصح لنفسه هذا الحديثَ، وليتأمل أي شيء حصل له من هذا الوقت الذي قد بقي من الدنيا بأسرها، سيجد أنه قد كان في غرور، العاقل الناصح لنفسه لا يبيع سعادة الأبد والنعيم المقيم، بحظٍّ خسيس لا يساوي شيئًا، ولو طلب اللهَ والدار الآخرة، لأعطاه خيرًا في الدنيا والآخرة، كما قال لقمان الحكيم - رحمه الله -: "ابن آدم، بِعِ الدنيا بالآخرة؛ تربحهما جميعًا، ولا تَبِعِ الآخرة بالدنيا؛ تخسرهما جميعًا". وقال معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "ابن آدم، أنت محتاج إلى الدنيا، وأنت للآخرة أحوج، فإن بدأتَ بالدنيا أضعت الآخرة، وكنت من الدنيا على خطر، وإن بدأت بالآخرة فُزت بالدنيا والآخرة، فانتظمتهما جميعًا". وقال عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - في خطبته: "أيها الناس، إنكم لم تخلقوا عبثًا، ولم تتركوا سدًى، وإن لكم معادًا يجمعكم الله - عز وجل - فيه؛ للحكم فيكم، والفصل بينكم، فخاب وشقي عبدٌ أخرجه الله - عز وجل - من رحمته التي وسعتْ كلَّ شيء، وجنَّته التي عرضها السموات والأرض، وإنما يكون الأمان غدًا لمن خاف الله - تعالى - واتقى، وباع قليلاً بكثير، وفانيًا بباقٍ، وشقاوة بسعادة، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيخلفكم بعدكم الباقون؟! ألا ترون أنكم في كل يوم تشيعون غاديًا إلى الله، ورائحًا قد قضى نحبه، وانقطع أمله، فتضعونه في بطن صدع من الأرض، غير موسد ولا ممهد، قد خلع الأسباب، وفارق الأصحاب، وواجه الحساب؟!". نعم، أيها القارئ الكريم، إن هذه الكلمات تدعونا للوقوف كثيرًا للاعتبار. |
|
|
الله يسلمكم,,,
|
الساعة الآن 3:24 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By World 4Arab