منتديات موقع بشارة خير

منتديات موقع بشارة خير (https://www.22522.com/vb/index.php)
-   منتدى القصة (https://www.22522.com/vb/forumdisplay.php?f=65)
-   -   من دروس المزرعة ! (https://www.22522.com/vb/showthread.php?t=75980)

يمامة الوادي 2009-02-01 12:56 AM

من دروس المزرعة !
 
من دروس المزرعة !

= = =

قال الراوي :

زرتُ صاحباً لي ، فوجدتهُ في فناء بيته يعمل في مساحة صغيرة ، اتخذها كمزرعة يمارس فيها هوايته المحببة في زراعة أنواع من الأزهار والورود .

كان قد قلّب التربة ، ونفض أرضها ونقاها ، وشرع يغرس فسائل جديدة ، في عناية ومهارة ، ودقة في التنسيق أيضا .

كنتُ أرقبه وأتابع عمله ، وأعجب لهذا الجهد وهذا الصبر ، وطول النفس التي رايته كثيرا عليها كلما جئت لزيارته ..ولمعت في ذهني فكرة عجيبة ، رأيت أنها فتح من الله ، من غير حول مني ولا قوة ، وإلا فما أكثر الأفكار التي تتولد في ذهني مما لا يليق به إلا الدفن لا الظهور !

ولما أقبل عليّ متهلل الوجه ، وهو ينفض يديه من التراب ، ويعتذر مبتسماً ، ثم خيرني إن أردت الدخول ، أم نبقى في فناء البيت ، فقد كان الجو طيبا مشجعا على البقاء أمام تلك المزرعة الصغيرة ، واخترت الثانية ..

نادى بأعلى صوته ابنته الصغرى ، وطلب منها أن تخبر أمها أن لدينا ضيوف ..!

وجلس إلى جانبي مرحباً ، وشرع يحدثني كعادته في كل مرة ، عن هوايته هذه التي تأخذ جل وقته ، واستمتاعه بها ، وبركتها وثمراتها ، وإيجابياتها ، وكان يتكلم في هذه الشؤون ، كأنما يحدثني عنها لأول مرة ، ولذا فقد كان يتكلم بحماسة واضحة ، وانفعال ، كأنما يحببني أن أمارسها مثله ..!

كنت أتابع حديثه ، وأنا أسرح عقلي ، كيف أجد مدخلاً لأفاتحه بتلك الفكرة التي لمعت في ذهني قبل قليل ، كان يشكو من سلوكيات فيه ، نفّرت منه كثيراً من أصحابه ، الذين كانوا يملأون كفيه ، وكان يرى أنهم ثروته التي يرصدها لمستقبل الأيام ، ثم انفض السامر عنه ، فما وجد في كفيه سوى آحاد منهم ، صبروا عليه ، وصابروا معه ، وكنت واحدا من هؤلاء ..

كان من مشاكله التي يراها متأصلة فيه ، وهي السبب في نفور الآخرين منه ، أن له لساناً يصول به في كل مجال من مجالات الحياة ، فما من قضية تطرح إلا وتصدى للحديث عنها ، وما من مسألة إلا وهو نجمها المتألق ، وما من فتوى إلا وهو صاحبها ، لا يمكن أن تطرح قضية محلية أو عالمية أو في أية دائرة من دوائر الحياة ، إلا وكان هو المتحدث الأول فيها ..!!

وهو خلال ذلك لا يدع لقائل قولا ، ولا لجليس فرصة للكلام ، ولا لمتحدث مجالاً إلا ريثما يأخذ نفسا للراحة ..!!

نعم قد يقول حقاً كثيرا خلال ذلك ، ولكن أكثر منه الباطل واللغو وهذر القول ، والكلام بغير علم ، وإنما هو: أظن وأحسب ، وأعتقد وأرى ..!

يخيل إليك أنه يصر دائما أن يبقى متميزاً ، كأنه عصا موسى التي تلقف ما يأفكون !

مع الفارق أن عصا موسى عليه السلام جاءت بالحق المبين ، أما صاحبنا هذا فيأتي بحق ومعه باطل كثير ..!

لا يعنيه في مجالس الناس ، إلا أن يبقى متكلماً بلا توقف ، كأنه المذياع الذي نسيه أهله مفتوحا ..!!

ومن مشاكله الأخرى التي يشكو منها ، أنه كان مسرفاً فلا يكاد يمسك شيئا في جيبه ، مما يدفعه إلى أن يمد يده ليستقرض من هذا وهذا وذاك ، ثم لا يستطيع الوفاء بهذه الديون ..!!

ولقد أخبرني أكثر من مرة أنه يعرف هذه السلوكيات من نفسه ، وأنها لا تصح ، غير أنه عجز أن يعالجها ، فلقد أصبحت تجري في عروقه مع الدم ..!

تذكرت هذه كله فقلت له مبتسماً :

لو أحسنت التأمل في مزرعتك الجميلة هذه ، لتعلمت دروساً كبيرة ، تنتفع بها في حياتك كلها ، فتصبح شامة بين الناس ، وتعمدت أن أضغط على كلمة شامة ، وأنا أصورها بإشارة من يدي .. لأني أحسب أنه بتلك السلوكيات التي ذكرناها ، إنما يسعى ليكون متميزا بين الآخرين فحسب .!

وكما توقعت ، بلَعَ صاحبي الطعم ، فقد تهلل وجهه ، وأقبل باشا هاشا يسأل في لهفة ، خيل إلي أنه يعض على لسانه حتى لا ينطلق ، قال : كيف ذلك ؟

قلت : ألا ترى يا صاحبي إلى الشجرة التي يرميها الناس بالحجر ، فترميهم بالثمر ، فلماذا لا يحرص الواحد منا ، أن يكون مع الآخرين كذلك ، فيصبح خيرا محضا ، وعطاء صرفا ، لا يريد من الناس جزاء ولا شكورا ..حتى إن هم أساءوا إليه ، فلا يريهم إلا كل جميل ، ولا يسمعهم إلا كل حسن ، وأجره على الله ..هذه واحدة

والثانية : ألا ترى أنك تستبدل فسائل بفسائل ، وشجرة بشجرة ، وزهرة بزهرة ، ثم تظل تتعهد الجديدة منها ، وترعاها وتهتم بها ، وتتردد عليها ، وتراقب أمرها ، وتصبر معها وتصابر عليها ، وترابط معها ، حتى تنمو شيئا فشيئا ، ويشتد عودها رويدا رويداً ، وتقوى ، حتى يتكامل نموها فتسر بها عينك ، ويقر بها قلبك ..كذلك الأخلاق يا صاحبي ..!

استبدل خلقا لا ترضاه من نفسك ، بخلق جميل حسن ، يجعلك محبوباً عند الله أولا ، ثم عند الناس ، اقلع سلوكاً واغرس سلوكاً آخر ، وصابر على قلع الأول ، كما تصابر وترابط في رعاية الثاني ، وكما تعبت مع تلك الشجرة الصغيرة حتى كبرت ، وطن نفسك أن تتعب أكثر في قضية غرس شجرة خلق طيب ، وصفة حسنة ، والتخلص من أضدادها ..!

ألم تشكو لي مرارا من ثرثرة لسانك في كل مجلس ؟ وأنك حين تخلو إلى نفسك تعلم أنه ما كان ينبغي أن يدور بما دار به ، ونحو هذا ..

هز رأسه ولم يتكلم ومضيت في حديثي :

هذه الثرثرة في كل شؤون الدنيا ليست خلقا فاضلا ، بل هي سلوك سيء ، وأنت تعرف ذلك ، إذن هي شجرة شديدة المرارة كالعقلم ، بل شجرة مسمومة ، اعزم أن تقلعها بقوة من نفسك ، وقم بعملية اعتقال للسانك ، واحبسه بين جدران فمك وما أكثرها ! ومهما كان الجو مغريا للكلام ، فوطن نفسك أن لا تفتح فمك ، وإلا فالعقوبة جاهزة ..

نعم عاقب نفسك في كل مرة تفشل في ذلك بعقوبة واضحة ، تجد أثرها ومرارتها ، ومع هذه المحاولة ، حاول أن تشغل لسانك بكثرة ذكر الله سبحانه ، ليل نهار ، وصباح مساء ، ولاسيما حين تكون خاليا بنفسك ، بل اجتهد أن تكثر من الخلوة بنفسك مع الله خلال ذلك .. وارع هذه الشجرة ، وتعهدها ، واصبر عليها وصابر معها ، ورابط في دائرتها ، ومما يعينك على هذا أن تقرأ بابا في أحاديث الترغيب والترهيب في خطورة اللسان ، وثمرات ذكر الله وفضائله ، وثمرات الكلام الطيب النافع للآخرين ، وبركة حسن الخلق مع الناس ، وكيف تكسب قلوبهم ، فيمنحونك محبتهم وودهم .. ونحو هذا ..

إن هذا كله يحتاج إلى جهد جهيد ، ومتابعة ورعاية ، وصبر ومصابرة ، وقبل هذا ومعه حسن استعانة بالله ، وإلحاح بالدعاء على الله ، ومجاهدة للنفس على تحقيق النصر عليها ، فإنها أمارة بالسوء ، إذا ترك لها العنان ..!

ولكن ثق تماما أن عاقبة هذا الجهد الكبير ، أكبر وأروع وأعظم من عاقبة صبرك وجهدك مع هذه الأشجار في هذه المزرعة الجميلة ..!

وقل مثل ذلك في كل سلوك ترغب أن تتخلص منه ، أو تتحلى بضده .. وهذا ما يسمونه في علم تزكية الأنفس : التخلية والتحلية .. تتخلى عن شيء ، وتتحلى بشيء آخر طيب ، يسر الناظرين !

وثق أن النجاح في هذا الطريق هو النجاح الحقيقي ، وبه يكون التميز الحقيقي ، وعن طريقه تكسب قلوب الناس من حولك ، لأن الله أصلا قد رضي عنك ، وحببك إلى قلوب عباده ..

ولما صمتُ كنت أتوقع أن يعطي الضوء الأخضر للسانه فينطلق كعادته ، ليشرّق ويغرّب حول هذه القضية ، بما يعرف وبما يخمن ، وبما يتوقع !!

لكنه هذه المرة بقي صامتاً ، فلما حركته للكلام ، قال :

لا، لقد عزمت أن أبدأ من هذه الساعة ، من الآن ، وأسأل الله أن يعينني على هذه النفس الأمارة ، أما أنت ، فيعلم الله أن لهذا أحببتك ، ولهذا أفرح بلقائك ، ولهذا أشكو إليك ، فجزاك الله خيرا عني ، وألح عليك أن تكون بجانبي تعينني على نفسي ، وتذكرني ، وتشد من عزمي ..و..

فلم أصبر ووثبت إليه واعتنقته ، وأنا أدعو الله لي وله أن يرضى عنا ..
















كتبها بو عبدالرحمن

Ŝђǿǿq Ťąbσύĸ 2009-02-01 8:02 PM

http://upload.7bna.com/uploads/a5a6b0362d.gif

يمامة الوادي 2009-02-01 8:25 PM

الله يسلمك,,,

زيزة 2009-02-01 8:40 PM

مشكوره
ويعطيك العافيه

يمامة الوادي 2009-02-02 8:49 AM

الله يعافيك,,,


الساعة الآن 12:46 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By World 4Arab

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

جميع الآراء والتعليقات المطروحة تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع وللأتصال بالدكتور فهد بن سعود العصيمي على الايميل التالي : fahd-osimy@hotmail.com