http://upload.7bna.com/uploads/fc021c73c2.gif
قديما قالوا إن
«البعيد عن العين.. بعيد عن القلب»،
لكن الحياة الزوجية المعاصرة أوجدت منطقاً آخر
«البعيد عن العين.. قريب من القلب»..
فخبراء العلاقات الزوجية يقولون إن ابتعاد الزوجين لفترة اتفق على تسميتها بـ«الإجازة الزوجية» باتت إحدى الوسائل المهمة لتجديد المشاعر التي اختفت وسط مشاكل الحياة اليومية.. لكن هل تصلح مثل هذه الإجازة لجميع الأزواج؟ وما مدى تقبل مجتمعاتنا الشرقية لها؟ وهل -حقاً- يمكن أن تصبح وسيلة لتقليل الخلافات بين الزوجين؟ أم أنها مجرد تعبير عن رغبة دفينة للانفصال التام؟، رؤى ناقشت الفكرة من جوانبها كافة في الصفحات التالية
http://upload.7bna.com/uploads/fc021c73c2.gif
لا تعرف منال، متزوجة منذ 5 أعوام، حقيقة مشاعرها إذا ابتعد عنها زوجها لبعض الوقت، وتوضح قائلة: اعتاد زوجي بعد مرور 4 أعوام من زواجنا، على اقتناص ثلاثة أيام نهاية كل شهر يسافر فيها إلى أهله، أو يسافر إلى إحدى المدن الساحلية مع أصدقائه، بينما أذهب ـ في المقابل ـ إلى أهلي، لأنني لا أهوى السفر
تستطرد: في البداية لم أكن أعرف إن كنت غاضبة أم مرتاحة لابتعاد زوجي عنى.. خوفا من تعوده ذلك، لكن ما خيب ظنوني أنه كان يعود بعد كل إجازة أكثر اشتياقا لي.. فضلا عن هدوئه غير المعتاد في المناقشة تجاه مشكلة ما، وهو ما لم يكن يحدث قبل أن يفكر في هذه الإجازة.. أما بالنسبة لي فإن الإجازة أيضا أعطتني مساحة لالتقاط أنفاسي من المهام الروتينية التي أؤديها كل يوم، كما منحتني وقتا لإعادة ترتيب أوراقي من جديد، خاصة في ما يتعلق بمعاملتي لزوجي، وبالفعل كانت النتائج إيجابية
http://upload.7bna.com/uploads/fc021c73c2.gif
مشاعر جديدة
وإذا كانت الإجازة قد ساعدت منال على تجديد مشاعر الاشتياق بينها وبين زوجها، فإنها بالنسبة للسيدة علياء كانت نقطة تحول في مسيرتها الاجتماعية، وتحكي عن ذلك: كحال معظم الأزواج، اختفت المشاعر الجميلة بعد سنوات من زواجي، وكثر الشجار بيننا، وتحولت العلاقة إلى صراع مستمر دون هدف. وعلى الرغم من أنه بعد كل شجار كنا نتصالح، إلا أن كلينا يدرك أن هناك خطأ ما
ضغوط الحياة اليومية ومشاكل العمل والأولاد، كما تقول، كانت سببا رئيسيا في وصول العلاقة بيننا إلى هذه الدرجة، وباستشارة إحدى صديقاتي اقترحت علي ّ ترك المنزل، ونصحتني بضرورة تجربة الانفصال المؤقت، أي الاتفاق مع زوجي بأن يبتعد كل منا عن الآخر لفترة، يراجع كل منا أوراقه، وطريقة تعامله مع الآخر
تكمل علياء: اقتنعت بالفكرة، لكن زوجي قال إن هذا هروب من المشكلة بدلا من مواجهتها.. وعلى الرغم من ذلك قررنا خوض التجربة في محاولة لكسر روتين الحياة.. وجاءت النتائج على غير المتوقع، فقد ابتعدنا أسبوعا.. كانت علاقتنا خلالها مقتصرة على بعض المكالمات الهاتفية للاطمئنان.. وبعد العودة بدأ الحوار بيننا من جديد، وسط جو من الألفة ومشاعر الاشتياق.. غير أن أهم ما استفدناه من تلك الإجازة هو التغيير الذي حدث في حياتنا، حيث عدنا بعدها وكأننا نبدأ حياتنا من جديد
وبناء على النتائج التي تحققت تنصح علياء معظم الأزواج باتباع أسلوب الإجازة، بين كل حين وآخر. شرط أن يكون هناك تواصل بين الزوجين خلال تلك الفترة.. محذرة من أن الابتعاد التام قد يؤدي إلى نتائج عكسية، بحيث يتعود الزوج أو الزوجة على الابتعاد عن البيت
http://upload.7bna.com/uploads/fc021c73c2.gif
هروب من المشكلة
على النقيض من الرأي السابق، ترفض مؤمنة عبدالقادر، متزوجة حديثا، فكرة الإجازة الزوجية، وتبرر ذلك بقولها: اعتقد أن اللجوء لهذه الفكرة بمثابة تحايل على المشاكل الزوجية.. وأيا كانت النتائج الوقتية الناجمة عنها من تحسن في العلاقة أو المزاج، فإنها في النهاية ليست حلاً.. بل أشبه بهدوء مؤقت يعود بعده الزوجان إلى المشاكل نفسها التي يعانونها
وعلى حد اعتقاد مؤمنة، فإن مثل هذه الإجازة قد تفتح الباب أمام الزوجة أو الزوج لممارسة حياته بحرية دون أي قيود من الطرف الآخر.. وبالطبع سيجد الأزواج الشرقيون في هذه الحرية نوعا من الارتياح والهدوء، قلما يجدونه في البيت.. وبالتالي تتراجع لديه الرغبة في العودة إلى المنزل، حتى لا يفقد حريته مجددا
وإذا كانت مؤمنة ترفض فكرة الانفصال المؤقت، إلا أنها تنحاز لقيام الزوجين معا بإجازة كل فترة، من أجل تهدئة نفوسهما وتجديد حياتهما العاطفية، فمن شأن ذلك خلق جو جديد من الألفة والشوق بينهما
http://upload.7bna.com/uploads/fc021c73c2.gif
فرصة للحل
بينما يختلف إبراهيم -متزوج منذ 5 أعوام- مع الرأي السابق، على اعتبار أن اتجاه أي من الزوجين للابتعاد عن الآخر لفترة محددة، وباتفاق مسبق بينهما، أفضل بكثير من قيام الزوجة بترك المنزل عقب أي خلاف مع زوجها، فالابتعاد على خلفية هذا الخلاف يزيد من مشاعر الجفاء بين الطرفين، لسيطرة حالة الغضب على كليهما
لكن إذا اتفق الطرفان على عدم تصعيد أية مشكلة بينهما، وإعطاء كل طرف فرصة للحل من خلال هذه الإجازة، فإن النتيجة ستكون أفضل، خاصة إذا صاحب العودة منها قيام كل طرف بشراء هدية للآخر، أو أن يصاحب هذه العودة احتفال مشترك بينهما، فمثل هذه الأمور التي تبدو بسيطة تنجح في الحفاظ على أسر عديدة كان يفكر أبطالها في الطلاق
ويشير إبراهيم أنه أحيانا ما يدرك أحد أطراف العلاقة قيمة الطرف الآخر إلا إذا ابتعد عنه، وهذه إحدى فوائد الإجازة الزوجية، فمن واقع تجربة الابتعاد يفكر كل من الزوج أو الزوجة في النتائج التي ستترتب على أخذ أحدهما قرارا بالابتعاد نهائيا عن الآخر
http://upload.7bna.com/uploads/fc021c73c2.gif
وجهات متباينة
إذا كان هذا رأي الزوجات والأزواج، فكيف ينظر علماء الاجتماع للفكرة.. د.عزة كريم، الخبيرة بالمركز القومي المصري للبحوث الاجتماعية، ترى أن هناك وجهات نظر تؤيد الإجازة الزوجية وأخرى تعارضها في مجتمعاتنا الشرقية، باعتبار أنها لا تليق وقدسية الحياة التي نظمها الدين.. غير أن الخبيرة الاجتماعية ترى أن ابتعاد كلا الزوجين لفترة عن بعضهما أصبح أمرا ملحا، لتخفيف حدة الخلافات والصراعات الزوجية التي أفرزتها الحياة المعاصرة. وأن من شأن هذا الابتعاد أن يساعد الطرفين على تجنب المشاكل التي تعكر صفو حياتهما، ومن ثم التفكير في حلها بهدوء ومنطقية. فضلا عن أنها تساعد من يعانون من رتابة حياتهم الزوجية، كونها تخلق نوعا من اللهفة والاشتياق بينهما، ومن ثم يصبح كل طرف أكثر احتياجا للآخر
ومن الأهمية ـ كما تذكر د.كريم ـ أن يكون قرار الإجازة برضا الزوجين وعن اقتناع، بحيث يؤدي نتائج إيجابية، أهمها بدء حياتهما بشكل وفكر جديد.. غير أنها تحذر من تجاوز مدة الإجازة ثلاثة أيام فأكثر.. حتى لا يتأقلم أحد الزوجين على الوضع الجديد، الذي يكون فيه أكثر حرية وبعدا عن ضغوط ومشاكل الحياة اليومية
http://upload.7bna.com/uploads/fc021c73c2.gif
مشاعر متجمدة
أزواج العصر الحالي بحاجة إلى تجديد علاقتهما من آن إلى آخر.. هذا ما تؤكده د.نسرين البغدادي، أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، مشيرة إلى أن الدراسات الحديثة كشفت ازدياد حالات الطلاق الناجمة عن تزايد الخلافات الزوجية ورتابتها، وهذا يعزز القول بأهمية قيام الزوجين سواء بشكل فردي أو ثنائي بإجازة يقضونها بعيدا عن المشاكل الحياتية
وعلى حد تعبير البغدادي، فإن هذه الإجازة فيها مصلحة الطرفين معا، خاصة الزوجة التي نادرا ما تجد وقتاً كافياً تراجع فيه حياتها، وأسلوب معيشتها بالشكل الذي يرضي زوجها، كذلك تتيح للطرف الآخر الفرصة لمراجعة أوراقه، وتجديد حياته بالشكل الذي يساعد على استمرار الحياة بينهما. كما تحرك الإجازة مشاعر الشوق المتجمدة وتجدد احتياج كل طرف للآخر، وهذا من الصعب أن يحدث حال استمرار الحياة بين الزوجين في البيت على وتيرة واحدة، وسط مشاكل الأبناء والبيت وغيرها من ضغوط الحياة اليومية التي يعاني منها كلا الزوجين
وحول المدة الكافية للاستفادة من هذه الإجازة، تشير إلى أن هذا يختلف حسب الظروف الاقتصادية لكل أسرة، لكن حتى لو كانت هذه الإجازة ليوم واحد نهاية الأسبوع، فهذا اليوم يتيح للطرفين استرجاع ذكرياتهما الجميلة، ومن ثم عودة الألفة والمشاعر بينهما.. غير أن الأهم من ذلك هو التقارب النفسي الذي يلعب دورا مهما في استمرار العلاقة الإيجابية بين الزوجين، مع العلم بأنه كان من الصعوبة أن يتحقق هذا التقارب وسط ضغوط الحياة اليومية
وبينما تنصح أستاذ علم الاجتماع المتزوجين حديثا بأن تكون جزءا من حياتهما.. تحذر في الوقت ذاته من أن تتم عقب أي خلاف بين الطرفين، لأن ذلك من شأنه أن يعمق الخلاف بينهما.. ومن الأهمية إذا حدثت مشكلة أن تتم معالجتها أولا، ثم بعد ذلك يبتعد الطرفان لكي يلتقطا أنفاسهما، ويعيدا ترتيب حياتهما من جديد
http://upload.7bna.com/uploads/fc021c73c2.gif
خطوة نحو الانفصال
خلافا للآراء السابقة، ينظر الخبير الاجتماعي د.أحمد المجدوب إلى اتفاق الزوجين مع بعضهما على أنه بمثابة خطوة أولى للانفصال. مفسرا ذلك بقوله: قد يشجع هذا البعد كلا الزوجين على الاستمرار في حياته الجديدة بعيدا عن الطرف الآخر.. ويزداد الأمر خطورة إذا جاء الانفصال المؤقت بعد حدوث خلاف أو شجار بين كلا الزوجين، وهنا بدلا من أن يتحول هذا الانفصال إلى وسيلة لحل الخلافات بهدوء، يتحول إلى زيادة حدة هذه الخلافات في ظل إصرار كل طرف على موقفه وعناده
وعلى حد تعبير المجدوب، فإن هذه الفكرة، حتى لو كانت مفيدة لبعض الأزواج فالمجتمعات الشرقية لا تتقبلها، خاصة بالنسبة للزوجة التي يعتبر بعض الأزواج انحيازها لهذه الإجازة نوعا من التمرد على تقاليد المجتمع.. فضلا عن أن هناك كثيراً من الأزواج يزدادون كرها لزوجاتهم ونفورا حال إبداء هؤلاء الزوجات رغبتهن في الابتعاد المؤقت
واعتبر الخبير الاجتماعي أن وجود الزوجين في بيت واحد، حتى لو كانت هناك مشاكل وخلافات قائمة بينهما أفضل من الانفصال المؤقت، لكن إذا حدث وأراد أحد الطرفين أن يخلو بنفسه لفترة ليعيد ترتيب أمور حياته، فلابد أن يكون ذلك دون أن يشعر الطرف الآخر
http://upload.7bna.com/uploads/fc021c73c2.gif
حاجة ملحة
علماء النفس ينظرون إلى الإجازة الزوجية بشكل مختلف، فوفقاً للدكتور محمد خليل أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة عين شمس لا يوجد اتفاق حول حل واحد لمشكلات الزواج، لاسيما أن العصر الحديث أفرز مشكلات اجتماعية واقتصادية وفكرية وعائلية ونفسية متعددة، كلها في حاجة لأساليب متنوعة.. غير أن الإجازة مفيدة لكلا الزوجين، حيث تساعد على استرخائهما ومساعدتهما على تجديد حياتهما. وبناء على ذلك فالإجازة حاجة نفسية ملحة لتحسين مزاج الزوجين، وهذا بدوره يمنع تطور المشكلات بينهما، لكنها في الوقت ذاته لا تحل بشكل جذري غياب التفاهم بين الطرفين
وينصح الخبير النفسي المقبلين على الزواج بتنظيم أسلوب الإجازة كأسلوب وقائي من المشكلات.. شرط أن تتم باتفاق مسبق بينهما، بحيث تكون بمثابة جرعة تنشيطية لمشاعرهما العاطفية، وصحتهما الذهنية
وحول كيفية استغلال هذه الإجازة على الوجه الأكمل، يؤكد الخبير النفسي أنه من الأهمية أن يراجع كل طرف موقفه من الطرف الآخر، وأن يدرس كيف يمكن التواصل معه دون الاستسلام لتفاصيل الحياة اليومية المملة، مع البحث عن سبل جديدة للتفاهم بينهما بالشكل الذي يحل مشكلاتهما اليومية. وأخيرا اعتماد لغة النقاش الهادئ بين الطرفين ليستمر قارب الزوجية في نهر الحياة آمناً مستقراً
http://upload.7bna.com/uploads/fc021c73c2.gif
المصدر:
مجلة رؤى الراعي الرسمي لبرنامج الأحلام للدكتور فهد بن سعود العصيمي