منتديات موقع بشارة خير

منتديات موقع بشارة خير (https://www.22522.com/vb/index.php)
-   منتدى الإرشاد الأسري والنفسي (https://www.22522.com/vb/forumdisplay.php?f=23)
-   -   ( امنحني تجربتك ) _ حالة ضيق 2 (https://www.22522.com/vb/showthread.php?t=65919)

يمامة الوادي 2008-05-29 4:59 AM

( امنحني تجربتك ) _ حالة ضيق 2
 

( امنحني تجربتك ) _ حالة ضيق 2


= =
قال الراوي:
سمعتُ شيخنا ذات يومٍ يحكي قصة أحد الصالحين ، وقد مرت به حالة ضيق
كدّرت عليه حاله مع الله تعالى ، وشعر معها بثقل شديد ، وانقباض نفس ، وفتور همة ،
ونحو هذا مما تضيق به نفسه ..
فما كان منه وقد أفزعه ما رأى من نفسه ، وهاله أن يجد نفسه في أسفل السافلين على هذه الصورة ،

ما كان منه إلا أن أخذ يقلّب وجهه في السماء ، ولسان حاله وقلبه يهتف وينادي ويناجي
للخلاص مما يجد ويعاني ، وكبارقة من بوراق الأمل ، لاحت له آية كريمة ، كأنما هو يقرأها
في صفحة السماء بوضوح ، أو كأنما يسمع من يهمس بها في أذن قلبه ، فتهللت روحه ،
وكان أشبه بغريق يكاد يغوص تحت الماء ، ثم رأى طوق نجاة يسقط قريبا منه ..!
كانت الآية الكريمة هي قول الحق تبارك اسمه :

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ )

فكأنما أفاق من غيبوبة كان فيها ، ورنت في زوايا قلبه كلمة ( شفاء ) ،

ففزع إلى كتاب الله على هذا اليقين ، وانزوى في ركن قصي من المسجد ، وشرع يتلو ..!
كان يمر بالآيات مرور الكرام ، لا يكاد يستوعب شيئا مما يمر به ، كانت حالته النفسية
لا تزال ملازمة له ، وهو يصر على مغالبتها ..
وأحس كأن صوت الشيطان في صحن أذنه يقول له :لا جدوى مما تفعل ..!
ابحث عن وسيلة أخرى تفرج بها عن نفسك ، وتحل بها هذا الكرب الذي تعانيه ..!!

لكنه نفض رأسه ، وأصر على أن يواصل قراءته ، وأخذ يذكر نفسه كأنما يخاطبها ويخاطب معها شيطانها :
ألم يقل الله سبحانه ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) ؟

فكل حرف أقرأه _بفهم أو بدون فهم _ فإن لي به عشر حسنات ، والحسنات يذهبن السيئات ،
وذهب السيئات انقشاع للسواد الذي خيم على وجه القلب ، ودحر للظلمة التي جثمت على أجواء الروح !!
وما أنا فيه من حال سيئة ، إنما مرده إلى حال قلبي هذا اليوم ،
ومن ثم فلابد أن أواصل حتى أجد هذا الأثر ..!!

وعاد إلى قراءته ، وعادت نفسه إلى التشويش والتهويش عليه !
وبقي هذا الصراع النفسي قائماً بين رغبة شديدة في الانصراف عن القرآن إلى غيره ،
وضغط من الشيطان والنفس في هذا الاتجاه .. وبين إصرار على المضي وإن لم يفهم شيئا ،
وإن لم يستوعب حرفا ، وإن بقي شتات قلبه على ما هو عليه ..!!

كان لسانه يدور بكلام الله ، لكن عقله في حجاب عن المعنى ، وقلبه في شتات عن هذا الجو الروحي ،
وجند النفس والشيطان لا يزال يواصل ضغطه بلا هوادة ..!!

ومرت عليه نصف ساعة ويحسبها دهراً ..! غير أنه أبى إلا أن يصل إلى حالة إشراق ،
وكأنما عزم أن لا يقوم من مكانه ، حتى تهب على قلبه نسائمها !

وانقدحت في ذهنه فكرة ، وجد نفسه يتبسم لها ، وسط هذا الجو الروحي الخانق الذي يمر به !
قفزت إلى ذهنه قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الرجل الذي جاءه يشكو بطن أخيه ،
وأنه يستطلق ! فأوصاه رسول الله أن يعطيه عسلاً ، فعاد الرجل ليقول أن بطن أخيه ازداد سوءاً !!
فأوصاه رسول الله أن يعطيه عسلاً مرة أخرى .. فعاد الرجل للمرة الثالثة ليقول :
أن بطن أحيه لا زال في حال سيئة !! فقال له رسول الله في ثقة ويقين :

اسقه عسلاً ، صدق الله وكذب بطن أخيك !! ،، فعاد يسقيه عسلاً فشفي !!!
كان لهذه القصة في هذا الظرف مفعول السحر على صاحبنا ، فقد توجه بكل ثقة إلى نفسه
يخاطبها وهي لا تزال تضغط عليه أن ينصرف إلى شيء آخر قال : صدق الله وكذبتِ !!
وعاد يذكرها بقول الله تعالى :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ )

شفاء .. وهدى .. ورحمة .. وتلحين عليّ بالانصراف إلى غير هذا الينبوع ...!!!
بئس الصاحبة أنتِ ..!!

وكأنما أعطته هذه الفكرة شحنة قوية ، وبعثت فيه عزيمة ماضية ، وفجرت فيه كوامن خامدة ،
وشعر كأنما انزاحت غشاوة من على وجه قلبه ، أو كأنما رُفعت ستارة سوداء ،
فبدأ النور يتسلل إلى حجرات قلبه شيئا فشيئا ..!!
كان في تلك اللحظات يقرأ في سورة يوسف عليه السلام ، ولما وصل إلى قوله تعالى يحكي
ما كان من أمر يعقوب عليه السلام :

(قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) .

استوقفته هذه الآية بقوة .. فعاد يكرر مقطعها الأول ، بلسان حاله هو لا بلسان حال يعقوب !
(إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ) ...!!
يكررها وكأنما ينوح على نفسه ، ويستعطف ربه ، ويستدر رحمته ، ويطرق بابه بكل ضراعة قلبه المنكسر ..!

فكان الفرج ، وجاء المدد ، وهبت رياح الرحمات ، فانحدرت دموع ، ورف قلب ، وشفت روح ،
وانفجر الينبوع ، وتدفق السيل ، وفاضت الأنوار ، وانقلب ليل القلب إلى نهار متوهج ،
واستحال خريف الروح ، إلى ربيع كل شيء فيه مورق مبهج يكاد يتكلم حسنا وجمالاً ..!!

وبكى كما لم يبكِ من قبل .. !!
وشعر بعد هذا الفيض الذي غرق في أنواره ، شعر بشعور غريب وعجيب ،،!!

شعر أن تلك الحالة من الضيق التي مرت به ، كانت عطاء لا حرمانا ، ومنحةً لا محنة !!
فلولاها ما كان الذي كان ، ولا حصل على ما حصل عليه ،
ولا تعرض قلبه لمثل هذا التيار من نفحات السماء بكل هذه القوة وكل هذا الفيض .. !!

وبقي في مكانه يدير لسانه بالتسبيح والاستغفار والحمد لله رب العالمين ، ثم دعا وانصرف !
لكنه انصرف غير الإنسان الذي كان ..!!
انصرف حياً وقد كان ميتاً ..! أو قل انصرف متعافياً سليما ،
وقد كان مريضا معلولاً ، مشرفاً على الموت !!

فسبحان من جعل كلامه شفاء وهدى ونور ...!!
وسبحان من يضيق على عباده بحكمة ليمنحهم الكثير ، إذا فهموا عنه حكمته ..!!




كتبها بو عبدالرحمن


الساعة الآن 12:14 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By World 4Arab

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

جميع الآراء والتعليقات المطروحة تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع وللأتصال بالدكتور فهد بن سعود العصيمي على الايميل التالي : fahd-osimy@hotmail.com