![]() |
أجــواء ضـاغطــة 1
أجــواء ضـاغطــة
قلت لصاحبي يوما : يا حسرة على العباد .. كلما انظر للجيل الذي أعيش وسطه ومعه.. اشفق على نفسي وعليهم قلوب ضعيفه استلمها الشيطان وعاث فيها فساداً ... غفلة شديدة عن الله .. غفلة تبلغ مستقر العظم.. بسبب شلالات هادرة من الأغاني والافلام الهابطة ، والافكارالتافهة ، والفضائيات الممسوخة .. الله المستعان .. إلى الله المشتكى من جيل فقد هويته كنت أتحدث بحرقة شديدة ، أحس أن كلمات تخرج جمرا .. وكان صاحبي يتابع في أدب جم .. فلما سكت وأنا أغلي .. قال : أخي الحبيب .. قناعاتي الشخصية ان كل هذا ( رغم أثره المر ) كل هذا أشبه ما يكون بالرماد الكثير فوق نار تحته ... والأمثلة على ذلك كثيرة جدا تحت كل سماء .. ظلمات الباطل المترادفة ، تزحزحها شمعة _ على قدرها _ وكلما ترادف ضوء الشموع اندحرت الظلمات اكثر فأكثر .. فقليل من الحق يهزم كثير الباطل .. وقليل الخير يغلب كثير الشر بإذن الله .. قلت في شيء من المرارة : اخي الا تكون تلك مجرد عاطفة وحماس .. حماس مؤقت وبعد قليل ترجع ريمة لعادتها القديمة قال في ثقة عجيبة تنضح في كلماته : اسمع ما أقول جيداً : قاعدة كان أحد شيوخنا يقولها لنا ويكررها علينا من خلال حديث شريف صحيح بل من خلال حديثين شريفين الحديث الأول : " إن تقرب إلي عبدي شبرا تقربت منه ذراعا وإن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة .. هاهنا لفتة رائعة يذكرها الشيخ تعليقا على هذا الحديث : يقول رحمه الله : معنى ذلك : أن أي زحزحة نحو الله .. فإن الله يقابلها بضعفها وهذا يفيدنا في أمرين : الأمر الأول خاص بنا .... والثاني خاص بغيرنا أما الذي لنا .. فعلينا أن نوطن أنفسنا أن نخطو نحو الله كل يوم خطوات .. ليقابلنا الله بضعفها .. أضعافا مضاعفة . وأما الذي لغيرنا فعلينا أن نهيج كل إنسان نلقاه على الأقل ليخطو ولو خطوات نحو الله .. ليقابله الله بضعفها.. علينا أن نحبب كل أحد أن يخطو نحو الله خطوات مهما كانت بسيطة. والحديث الثاني يكمل هذا المعنى .. يخبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : إن لله في دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها.. أو كما قال صلى الله عليه وسلم .. فمن هبت على ( قلبه ) نفحة ربانية فإنها قد تكون سبب صلاح حاله كله فيستقيم مع الله بعد ضلالة .. وعليه أن يبقى يقظا .. يقول الشيخ : وهذا أيضا .. لنا ولغيرنا لنا بأن نحرص غاية الحرص أن نعرض ( قلوبنا ) كل يوم لنفحات الله جل جلاله ، لعل وعسى .. ومع غيرنا أن نهيج الآخرين لنجعلهم يعرّضون ( قلوبهم ) لهذه النفحات كذلك .. لعل وعسى أيضا .. وكم سمعنا أن إنسان في لحظة استيقظ وأفاق وقرر أن يستأنف حياة جديدة مع الله ، فإذا هو علم يتوب على يديه آلاف مؤلفة وقد كان من قبل يخبط في هذه الحياة خبط الدابة لا تعرف لها وجهة .. ولكنه في لحظة ربانية تعرض فيها لنفحة رحمانية هبت على قلبه من خلال درس أو محاضرة أو كلمة هنا أو هنا فاذا هو ينقلب كليا ، ليعيد ترتيب أوراقه .. ويستأنف حياة جديدة مع الله تعالى قال الراوي : وجدت نفسي أقاطع أخي هاهنا لأقول بمرارة : انا احاول واجاهد نفسي كثيراًً ، لكني مرات كثيره افشل رغم أني مرات قليلة انجح .. وفوجئت به يرفع صوته بالتكبير : الله أكبر ..الله أكبر جميل .. رااااااااائع .. قلت في مرارة أشد : لكن الفشل هوالغالب للأسف .. وهذا ما يؤلمني .. ابتسم وهو يقول : أمر طبيعي جدا .. في بداية الطريق تكون العثرات كثيرة . والمجاهدة للنفس الأمارة شديدة .. والجهد المبذول كبيرا وكلما حاولت الاستقامة يهجم عليك الشيطان هجمة معاكسة ليبعدك عن الطريق ، وحين يتكرر منك ذلك .. يدخل الشيطان إليك بفكرة أنك لا تصلح ، وأنك غير مقبول .. وأنك مهما حاولت الاستقامة سوف تسقط .. وأنك .. وأنك .. يريد الخبيث أن يوصلك إلى مرحلة اليأس من الله سبحانه .. لتنفض يديك من المحاولة من جديد .. قال الرواي : سبحان الله .. سبحان الله .. فعلا هذا ما يحدث معي .. قال صاحبي منزعجا : إياك .. إياك وهذا الفخ .. إن اللعين يجيد بمهارة صناعة الفخاخ الكثيرة بين أقدام السائرين إلى الله تعالى وهذا من أخطر فخاخه .. فإياك وإياه . ألم تسمع قول ربك سبحانه وتعالى :. ) إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) فخذ حذرك جيدا .. قلت وطعم المرارة يملأ فمي : يا أخي الكريم لقد اصبحت افكر كثيرا في هذه المسألة : هل ما كنت عليه سابقا مجرد عبادة خارجية لا قيمة لها وبمجرد ان أواجه اية فتنة ضيعتني معها..؟ شعرت وأنا أقول هذا أنني أرغب في البكاء .. غير أني فوجئت بأخي يقول : لا لا لا لا لا ... أرجوو ووك .. استحلفك بالله أن تجمع معي قلبك للحظات : أولا : أهنئك بحرارة على هذه النفسية الرائعة التي وهبك الله إياها ... أنت في نعمة من حيث لا تشعر .. فالنفوس يا أخي ثلاث : أمارة بالسوء ... ونفس لوامة .. ونفس مطمئة فأنت الان واضح أنك في الدائرة الثانية في النفس اللوامة ولست في دائرة النفس الأمارة بالسوء .. وليس معنى هذا انها تركتك إلى غير رجعة ولكن الالب عليك أنك الآن في الدائرة الثانية وهذه نعمة .. ويبقى عليك أن تحافظ عليها وتستثمرها ركز معي قليلا لما ساقوله : صاحب النفس الأمارة بالسوء الذي تكون هي الغالبة عليه ولم يصل بعد إلى النفس اللوامة هذا تجده لا يحاسب نفسه أصلا ، ولا ينتبه لها ، ولا يعرف خسارته من ربحه ، يمضي على عماه ، ويبحر مع هواه و يحسب أنه يحسن صنعا .... !!! بل قد يرى أنه ما فعل شيئا يستحق عليه العقوبة .. ونحو هذا .. ولا أحسبك من هذا الصنف حيث كلامك يؤكد لي انك لست من هؤلاء .. وصمت قليلا ثم قال : أخي الفاضل ممكن أسألك سؤالاً يوضح الأمر لكن أرجو أن تركز في السؤال فإنه مهم : الإنسان في ( لحظة غفلته ) .. في الساعة التي يكون فيها منغمساً في الغفلة ، هل يكون مستيقظا .. مع اننا قلنا أنه في غفلة ..؟؟ قلت في تلقائية : لا .. لا .. هذا مستحيل تهلل وجهه وقال : بارك الله فيك .. إذن اسمع جيدا ما سيأتي : قال علماؤنا : فالإنسان الذي يكون غافلا لا يكون مستيقظا في نفس اللحظة ومن عرف أنه غافل ، فقد استيقظ .. خطوة على طريق اليقظة الكاملة وهذا محسوب له .. ولصالحه ويبقى عليه خطوات مكملة المهم ثق الآن : أن شعورك هذا وإحساسك هذا وحرقتك هذه ... تصب لصالحك في النهاية..ابقَ على هذا محاسبة للنفس ، ومجاهدة لها .. وثق انك على خير وإلى خير .. )وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) وعد رباني قاطع .. والله لا يخلف الميعاد المهم إياك واليأس من روح الله .. قال الراوي : وجدت لهذه المعاني صداها الواضخ في نفسي وشعرت أنني تهللت واقبلت بكليتي على ما يقول ..قال: والآن ركز معي كثيرا ، وقد يهولك ما ستسمع .. سئل الإمام الجنيد رحمه الله : هل يزني ( العارف ) ؟؟؟؟؟ يعني هل يمكن أن يقع في الزني وقد بلغ من المعرفة درجة كبيرة جدا ؟؟؟؟ قال بعد أن أطرق طويلا .._ ما معناه _ نعم .. ممكن أن يقع .. !! نعم .. رغم معرفته العالية الراقية ممكن أن يقع منه هذا ..ولكن متى ..؟ هذا هو السؤال؟؟؟؟؟؟وهذه هي القضية إذا وجد نفسه في أجواء ضاغطة وفي لحظة ضعف بشري تصيب كل إنسان حتى لو كان عارفا قال الراوي : ووجدت نفسي أتأوه ثم أقول : اجواء ضاغطة !! أه .. أرايت ؟؟ وواصل حديثه : نعم إن للأجواء المحيطة بالإنسان أثرها القوي عليه ولهذا حذرنا رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم فقال ( من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ) وهذا تحذير عجيب أن مجرد الحوم حول الفتنة يوقع فيها فكيف بمن كان داخل أجواءها يرتع فيها ؟؟ شيء طبيعي أنه سيقع فيها مرات ومرات و مرات أرأيت لو أن إنسانا مريضا فلما عرض نفسه على طبيب حاذق .. وعرف الطبيب أن هذا الإنسان يعيش في بيئة موبوءة .. فما هو أول طلب سيطلبه منه .. من أجل علاجه ؟ قلت : يعتزل البيئة الموبوءه ابتداءً .. أخذ صاحبي يهتف : الله أكبر.. الله أكبر .. نعم .. أول طلب هو : أن يغادر هذه البيئة .. إلى بيئة نظيفة نقية قلت : طيب وان لم يستطع الاعتزال صمت قليلا ونظر إليّ في حدة كأنما يعاتبني |أو يقرعني ثم قال: أخي .. الإنسان الحريص على شفائه سيعمل المستحيل للخلاص من تلك البيئة سيفكر بآلاف الوسائل التي يمكن أن تعينه على الانتقال إلى بيئة نظيفة مساعدة سيبذل قصارى جهده ليجد مسلكا للنجاة .. فإن علم الله صدقه وعزمه وإصراره على طلب النجاة فسوف ييسر الله له ذلك من حيث لا يحتسب . ثم لا أقل من أن يعتزل تلك الأجواء كلها ولو خلى بربه منفردا به يقضي معه الساعات الطويلة يملأها بألوان من الطاعات والقربات والمناجاة والأذكار والصلوات والتفكر والقراءات والاستماع إلى ألوان من الدروس ..ونحو هذا كثير هذا إذا افترضنا انه لم يستطع الخلاص من تلك البيئة الضاغطة ليلتحق بحلقات علم ، وينخرط مع صحبة صالحة .. ثم .. ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيدا منفردا يوم جاء يحمل هذا النور ، وكانت الأجواء كلها من حوله ضاغطة عليه والإغراءات من كل مكان تضغط هي الأخرى ولكنه ثبت في وجه الأعاصير ، وصدق الله فصدقه ألم يكن يوسف عليه السلام يتعرض لضغط مكثف وهو في بيت العزيز حيث أجواء القصور الفاسدة تحيط به حتى أنه اختار السجن من العيش فيها ()قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) والآية تشير إلى أنه كان يتعرض لضغوط كثيرة حتى من غير امرأة العزيز .. وفي قصة عبد الله بن حذافة السهمي عبرة أيضا وقد أدخلت عليه امرأة ذات جمال ودلال لتبقى معه ليلة كاملة يتعرض خلالها لضغوط نفسية هائلة ولكنه حين صدق الله صدقه .. وفي العصر الحديث قص مشابهة كثيرة باختصار .. أنت بحاجة شديدة إلى أجواء ذكر ومذاكرة دائمة .. وأجواء دراسة ومُدارسة .. وطلب علم شرعي .. وأجواء عبادة تحفها الملائكة .. يملأها اصداء القرآن الكريم ودرسات في السيرة والفقه ، وإقبال على أعمال صالحة كثيرة وألوان من التفكر ، وأوراد محاسبة ومعتبة ومعاقبة وأجواء للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو في أضيق نطاق حتى يصبح قلبك متوهجاً يؤتي ثماره الطيبة باختصار أكثر .. الصادق سيجد عشرات الوسائل للخلاص من تلك البيئة الضاغطة . قال الرواي : ولأول مرة شعرت أن كلمات أخي كأنها تنطلق من مدفع رشاش سريع الطلقات وقل أن أقول شيئا .. بادر يسحب أوراقا ويقدمها إليّ وهو يقول : أحسب أن هذه الأوراق ستعينك في هذا الباب ونظرت إلى المغالف في يدي ، فوجدت العنوان كالتالي : إلى من يشتكي الوحدة .. لست وحدك .. وأثارني العنوان ايما إثارة .. ورغبت أن أنهي الحوار على غير عادتي رغبة أن أخلو لأقرأ هذا الموضوع بتأن وتدبر وتركيز وقك كان .. ووجدت في طيات هذا الموضوع أمورا كثيرة نفعنا الله بها .. فلله الحمد له ، ولصاحبي الأثير دعواتي الخالصة . == تعال نؤمن ساعة |
الساعة الآن 1:47 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By World 4Arab