![]() |
صناعة الأوهام
صناعة الأوهام هي مهنة لا يحسنها الكل … ذلك أن محاورها وأسسها تبنى على امتيازات تمنحها النفس السقيمة لصاحبها، فتعطيه الحق لممارسة فن غريب من نوعه ، ركيزتاه الأساسيتان : الكذب على النفس في البداية .. ومن ثم المرحلة الانتقالية والمتمثلة: بالكذب على الغير !! وأمثال هؤلاء نجدهم يبحرون في بحر من المتناقضات لا ساحل له ، وييممون وجهتهم نحو مرتع خصب من الحيل النفسية ... فيرغمون أنفسهم على اختيار الظلام رغم أن النور قد أحاط بهم ( ومن لم يجعل الله له من نور فماله من نور ) . والناظر لمجتمعاتنا العربية يجد أن فئاماً منها تشبعت بهذا المفهوم، ابتدءاً من حكامها، ومروراً بأرباب فكرها، وانتهاءاً بفردها العادي . فأخذوا الجانب الإبداعي من هذه المهنة فأبدعوا في صنع الوهم ، فتشكل بصور شتى : فحاكم صنع الوهم لنفسه وأدلى به لغيره .. فأصبح هو للتجديد عنوانا ، وأخذ المنبهر يردد مع الجموع هتافات التلبية المعممة : من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر ... فكان أن انكشف الوهم وصار النتاج الذل والهوان . وآخر أوهم نفسه أنه بالبطش والتنكيل والتهديد ؛ سيورث الخضوع ، وليس إلا صوته المسموع !! فعربد وأزبد .. وتوعد وهدد ، وظن المسكين أنه فلح ونجح ، وماعلم أنه لو كانت الغلبة تورث بالصراخ والصياح لكانت الحمير أحق بها من بني البشر . وآخر زين لنفسه حماسة مرتجلة ، وإباء مصطنع .. فصد نفسه عن الفطرة وتمرد ، واهماً بأن الحرية لاتنال إلا هكذا ، فجثم على صدر الأمة قسراً وكرهاً ، يقودها إلى الإباحية ، والإسفاف والمجون بدعوى الحرية الشخصية ، والرقي الفكري !! فإن نصح ناصح قيل : رجعي ، وإن اعترض مسلم قيل : متطرف ... كأن الصواب لهم محتكر ، أو قد قيدت لهم الرقاب ؟! والصور الأخرى أكثر واكثر ... وبالعموم : أوهام الجاهليين هي التي تجفلهم وتعيشهم في حياة صاخبة مضطربة ، لذلك لا يهدأ لهم بال ، ويحرمون السكينة التي كان لهم أن يقيسوا أمور الحياة وفق منطق بدهياتها . فمهلاً.. مهلاً يا صناع الأوهام . أبو عبدالعزيز الظفيري |
الساعة الآن 2:19 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By World 4Arab